في خطوة محورية تمهيدًا لتشكيل إدارة جديدة ل مصرف ليبيا المركزي، أعلن عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، أن ناجي عيسى قد سلّم القائمة النهائية لأعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي إلى مجلس النواب. من المتوقع أن تُعقد جلسة خلال الأيام المقبلة للنظر في الأسماء المرشحة والمصادقة عليها إذا تم التوصل إلى توافق. هذه الخطوة تأتي وسط مناقشات حادة حول الوضع الاقتصادي في البلاد، والتحديات التي تواجه السياسات النقدية والمصرفية.
رغم التوترات السياسية والاقتصادية التي تشهدها ليبيا، يسعى مجلس النواب إلى إعادة هيكلة المؤسسات السيادية. وتمثل المصرف المركزي أحد أهم تلك المؤسسات في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم. عبد النبي عبد المولى، عضو مجلس النواب، أشار في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″،إلى أن خفض الضريبة على سعر الصرف قد يتحقق بحلول نهاية العام إذا تم تشكيل إدارة المصرف بنجاح. وأضاف أن سعر الدولار قد يشهد تحسنًا ملحوظًا إذا استقرت الأوضاع الاقتصادية، في إشارة إلى الدور الحيوي للمصرف المركزي في إدارة السياسات النقدية.
من جانبه، نفى الهادي الصغير، ممثل مجلس النواب في مشاورات المصرف المركزي، الأنباء المتداولة حول إعداد خطة لإلغاء ضريبة النقد الأجنبي بالتنسيق مع المحافظ. وأكد أن مثل هذه القرارات من اختصاص المحافظ ونائبه ومجلس الإدارة، وليس من صلاحيات النواب أو الحكومة. كما أوضح أن الاجتماع الأخير لم يتطرق إلى سياسات نقدية جديدة، بل ركز على حل الأزمة التي يواجهها المصرف المركزي نتيجة الخلافات بين الأطراف المتصارعة.
في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي، علي الرقيعي، أن الأزمة الليبية تتجاوز مشكلات النقد الأجنبي وسعر الصرف، مؤكدًا على أن ليبيا تعاني من أزمة هيكلية تتطلب إصلاحات شاملة في النظام المالي والإداري. في ضوء ذلك، تثير مبادرة “النفط مقابل الغذاء” نقاشات حادة، حيث يُنظر إليها كحلاً مؤقتًا لمشكلة الإمدادات الغذائية، لكن الرقيعي يعتقد أن هذا الحل غير كافٍ لمعالجة جذور الأزمة الاقتصادية. الاقتصاد الليبي لا يزال معتمدًا بشكل كبير على النفط، وهو ما يجعل البلاد عرضة للتقلبات العالمية في أسعار هذه السلعة الحيوية.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد الخميسي أن تخفيض الضريبة على سعر الصرف ورفع القيود عن السحب النقدي يهدفان إلى تقليل الفارق بين السعر الرسمي والموازي للدولار. إلا أن الخطوات التي اتخذها المصرف المركزي لا تزال تواجه انتقادات، خاصة أن الضريبة المفروضة على العملة الأجنبية لا تزال مرتفعة حتى بعد تخفيضها إلى 20%. هذا الأمر يثقل كاهل الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، ويزيد من معاناتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
الخميسي حذر من أن تخفيض قيمة الدينار الليبي بنسبة كبيرة في فترة قصيرة أضر بالقوة الشرائية للمواطنين، مؤكدًا أن الإجراءات التي يتخذها المصرف المركزي تهدف إلى تحفيز الطلب على النقد الأجنبي وتحسين الوضع المالي للبلاد. مع اقتراب نهاية العام، يتوقع الخبراء أن يستمر المصرف المركزي في تخفيض الضريبة تدريجيًا، لكن الخميسي يشير إلى وجود عجز بقيمة 3.5 مليارات دولار حتى نهاية سبتمبر. ورغم ذلك، قد يتمكن المصرف من سد هذا العجز بفضل ارتفاع أسعار النفط والاحتياطيات التي تُقدر بـ84 مليار دولار.
يتساءل العديد من المحللين الاقتصاديين حول إمكانية تحقيق تناغم بين السياسات النقدية التي يديرها المصرف المركزي والسياسات المالية التي تشرف عليها الحكومة. الخميسي يرى أن هذا التناغم ضروري لتحقيق استقرار اقتصادي شامل، مشيرًا إلى أن السياسات التجارية والمالية الحالية تعمل بشكل منفصل عن بعضها البعض، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد.
في ظل هذه التحديات، يبقى الاقتصاد الليبي معلقًا بين الطموح لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحديات الواقع الصعبة التي تعكس تبعية ليبيا المطلقة للنفط كمصدر أساسي للدخل القومي. إن غياب التنسيق بين المؤسسات المالية والنقدية يزيد من صعوبة الوصول إلى حلول مستدامة للأزمة، ما يستدعي ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة نحو إصلاحات شاملة.
ختامًا، يبدو أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في ليبيا متشابكة ومعقدة بشكل كبير، مما يتطلب جهودًا مستمرة من جميع الأطراف المعنية لتحقيق استقرار حقيقي. مجلس النواب أمامه مسؤولية كبيرة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمصرف المركزي، بينما تبقى السياسات النقدية بحاجة إلى مراجعة شاملة لتجنب مزيد من التدهور الاقتصادي. في الوقت نفسه، تثير مبادرات مثل “النفط مقابل الغذاء” نقاشات حول سبل حل الأزمة، لكنها تظل مجرد حلول مؤقتة لا تعالج الجذور الحقيقية للأزمة الليبية.