انضمام ليبيا إلى البريكس سيفتح أبواب الاقتصاد
تتصاعد التطلعات الاقتصادية في ليبيا مع إعلان وزير الاستثمار بالحكومة الليبية علي السعيدي عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مجموعة البريكس. هذه المجموعة، التي تضم أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا)، تُعتبر منصة قوية لتطوير العلاقات الاقتصادية الدولية والتعاون المتبادل. ولكن هل تكون ليبيا قادرة على الاستفادة من هذه الفرصة الاقتصادية؟ وما هي التحديات التي قد تواجهها في سبيل تحقيق هذا الانضمام؟
الحديث عن انضمام ليبيا إلى مجموعة البريكس ليس مجرد مسألة رمزية، بل يُنظر إليه كوسيلة لتحرر البلاد من هيمنة الدولار الأميركي، وهو طموح يعكس رغبة ليبيا في تقليل اعتمادها على النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. علي السعيدي يرى أن الانضمام للبريكس سيساهم في فتح آفاق اقتصادية جديدة للبلاد، حيث ستتمكن ليبيا من تنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية.
فبمجرد انضمامها إلى هذه الكتلة الاقتصادية، ستكون ليبيا قادرة على الاستفادة من التحالفات الاقتصادية التي تربط بين الدول الأعضاء. هذه العلاقات قد تُمكن ليبيا من تحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة، مثل زيادة الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، وتطوير التعاون في مجالات التكنولوجيا والصناعة.
الانضمام للبريكس قد يساهم أيضًا في تقليل اعتماد ليبيا على الدولار الأميركي في تعاملاتها التجارية، وهو ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في سياساتها الاقتصادية. الدولار الأميركي، الذي يُعتبر العملة الرئيسية للتجارة العالمية، يفرض ضغوطًا على الاقتصاد الليبي، لا سيما في ظل التقلبات الكبيرة في سعر صرف العملة الليبية. تقليل الاعتماد على الدولار سيمنح ليبيا فرصة لتقليل هذه الضغوط، وتحقيق مزيد من الاستقرار في الاقتصاد المحلي.
لكن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل. فليبيا تعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية، والتي تُقدر بالدولار الأميركي، مما يجعل تحولها بعيدًا عن هذه العملة تحديًا حقيقيًا يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات اقتصادية جوهرية.
يرى علي السعيدي أن مثل هذا القرار يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لتحقيقه. فبالرغم من أن الانضمام إلى البريكس قد يبدو واعدًا على الورق، إلا أن الواقع السياسي المعقد في ليبيا قد يشكل عقبة رئيسية. البلاد لا تزال تعاني من الانقسام السياسي والصراع المستمر، وهو ما يضعف قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة المدى.
السياسة الداخلية الليبية تتسم بالتنافس الشديد بين الأطراف المختلفة، وكل منها لديه رؤى مختلفة حول الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه الاقتصاد الليبي. هذا التنافس قد يعيق قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة لضمان نجاح الانضمام إلى مجموعة البريكس، خاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز الاستقرار المالي.
بالإضافة إلى التحديات الداخلية، هناك تساؤلات حول قدرة ليبيا على إقامة علاقات اقتصادية متوازنة مع أعضاء البريكس. فهذه الدول، رغم قوتها الاقتصادية، تتبع استراتيجيات تجارية وسياسية مختلفة. ليبيا ستحتاج إلى إيجاد توازن بين تحقيق مصالحها الوطنية والاندماج في شبكة العلاقات الاقتصادية المتشعبة التي تربط بين أعضاء البريكس.
الصين، على سبيل المثال، تُعد شريكًا اقتصاديًا كبيرًا لدول كثيرة في إفريقيا، وقد تكون ليبيا واحدة من المستفيدين من استثماراتها الكبيرة في مشاريع البنية التحتية. بالمقابل، روسيا تلعب دورًا رئيسيًا في مجال الطاقة، وهو ما قد يُشكل فرصة لليبيا لتعزيز قطاع النفط والغاز.
من جانب آخر، قد يشكل انضمام ليبيا إلى البريكس تحديًا فيما يتعلق بعلاقاتها مع الغرب. فمجموعة البريكس تتبنى نهجًا مختلفًا عن النظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا، مما قد يضع ليبيا في موقف حرج بين الحلفاء الغربيين والشركاء الجدد في البريكس. اتخاذ هذا القرار سيحتاج إلى دراسة دقيقة للتوازنات الدولية، وقدرة ليبيا على الحفاظ على علاقات اقتصادية متوازنة مع جميع الأطراف.
في ظل هذه التحديات والفرص، يبقى السؤال المطروح: هل ستكون ليبيا قادرة على تحقيق انضمامها إلى مجموعة البريكس بنجاح؟ وهل ستتمكن من الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية؟ الجواب يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة الليبية على توحيد الصفوف وتبني استراتيجية اقتصادية متكاملة تدعم الاستقرار السياسي والمالي.
الإرادة السياسية، كما أشار علي السعيدي، ستكون العامل الحاسم في هذا الصدد. بدونها، قد يكون الانضمام للبريكس مجرد حلم اقتصادي بعيد المنال. ولكن إذا ما تمكنت ليبيا من تجاوز خلافاتها الداخلية واستغلال هذه الفرصة الاستراتيجية، فقد يكون للبريكس دور كبير في إعادة بناء الاقتصاد الليبي وفتح آفاق جديدة للتنمية.
ختامًا، إن انضمام ليبيا إلى مجموعة البريكس يحمل في طياته وعودًا كبيرة بتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الليبي، ولكن في الوقت ذاته، يحمل تحديات سياسية واقتصادية تحتاج إلى تخطيط استراتيجي وإرادة سياسية قوية. الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانت ليبيا قادرة على تحقيق هذه الرؤية الطموحة.