خرًا. يتمثل هذا التحسن في ارتفاع قيمة الدينار الليبي أمام الدولار الأمريكي، وهو ما أضفى بصيص أمل على مشهد اقتصادي مضطرب منذ سنوات. ولكن، هل يعكس هذا الاستقرار فعلاً تحسناً هيكليًا طويل الأمد، أم أنه مجرد استجابة وقتية لعوامل خارجية؟ وما هو الدور الحقيقي للمصرف المركزي في الحفاظ على هذا التقدم؟
من بين أبرز العوامل التي ساهمت في هذا الارتفاع الملحوظ في قيمة الدينار الليبي، يأتي تحسن أسعار النفط العالمية. ليبيا، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط كمورد رئيسي للدخل القومي، شهدت زيادة في إنتاج النفط مما أدى إلى ارتفاع العائدات المالية. هذه العائدات هي التي ساهمت في دعم قيمة الدينار، حيث يواصل النفط لعب دور محوري في توجيه مسار الاقتصاد الوطني.
ورغم ذلك، فإن هذا التحسن يظل محفوفًا بالمخاطر. فأسعار النفط غير مستقرة، وتتأثر بالتقلبات السياسية والاقتصادية العالمية. وبالتالي، يظل السؤال الأهم: هل تعتمد ليبيا بشكل مفرط على النفط، وهل هناك بدائل اقتصادية يمكن أن تدعم الاقتصاد في حال تراجع أسعار النفط؟
بجانب التأثير الإيجابي لأسعار النفط، شهدت ليبيا محاولات حقيقية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تحسين الوضع المالي وتخفيف الأعباء على المواطنين. من بين هذه الإصلاحات، تعزيز مراقبة السياسة النقدية وخفض معدلات التضخم. هذه الإجراءات ساهمت في تحسين القوة الشرائية لليبيين، وفتحت الباب أمام تحفيز الاستثمار المحلي والخارجي.
لكن المحلل السياسي محمد امطيريد يرى أن هذه الإصلاحات تظل مؤقتة ما لم يتم القضاء على التدفقات المالية غير الشرعية التي تغذي اقتصادًا موازنًا غير مستدام. في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أوضح امطيريد أن القضاء على الفساد والشفافية في إدارة موارد النفط هي المفتاح الحقيقي لتحقيق استقرار دائم.
في هذا السياق، تواجه ليبيا تحديات داخلية تتعلق بالتلاعب في الأسواق المحلية من قبل المضاربين والتجار. رغم تحسن قيمة الدينار، إلا أن أسعار السلع الأساسية لم تتأثر بشكل ملموس في بعض الأحيان. يرى المحلل السياسي علي المحمودي أن سبب ذلك يعود إلى هيمنة رجال الأعمال على المؤسسات المالية، واستغلالهم للتقلبات الاقتصادية لتحقيق أرباح شخصية.
الحل، بحسب المحمودي، يكمن في زيادة الشفافية ومراقبة الأسواق بصرامة. إذ يتطلب الحفاظ على استقرار الدينار الليبي السيطرة على حركة الأسواق والأسعار، ومواجهة المضاربين في السوق السوداء الذين يلعبون دوراً أساسياً في زعزعة الاستقرار الاقتصادي.
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه ليبيا، يلعب المصرف المركزي دورًا أساسيًا في توجيه السياسة النقدية للبلاد. ومع كل التحركات التي اتخذها لتعزيز قيمة الدينار، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذه التحركات ليست سوى رد فعل مؤقت للوضع الحالي. محمد امطيريد يشير إلى أن المصرف المركزي بحاجة إلى خطة استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز ردود الأفعال اللحظية، مؤكداً على أهمية وضع خطط مدروسة لتعزيز استقرار الاقتصاد.
من جانبه، يرى علي المحمودي أن الاستمرار في هذا الاستقرار مرهون بتطبيق سياسات اقتصادية شاملة تشمل إصلاحات تجارية ونقدية، مشيراً إلى أن المصرف يجب أن يلعب دوراً ريادياً في تنفيذ هذه الخطط. كما دعا إلى ضرورة ضخ كميات من العملات الصعبة عبر القنوات الرسمية، بهدف تقليل الفجوة بين السعر الرسمي والموازي.
إلى جانب الإصلاحات النقدية التي يشرف عليها المصرف المركزي، يبقى السؤال الأهم حول ما إذا كان يمكن تحقيق استقرار اقتصادي دائم في ليبيا في ظل الظروف الحالية. يرى المحمودي أن هذا يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة المصرف المركزي على تجاوز الأزمات المالية الراهنة عبر استراتيجيات طويلة الأمد.
كما يلفت الانتباه إلى أهمية تقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، مشيراً إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل واستثمار الاحتياطات المالية بدلًا من الاعتماد المفرط على النفط، الذي يشكل خطرًا في حال تراجعت أسعاره عالميًا.
في نهاية المطاف، يرى الخبراء أن ليبيا بحاجة إلى تضافر الجهود بين الحكومة والمصرف المركزي والمؤسسات التنفيذية والتشريعية لتطوير خطط طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة. وإذا ما تم تنفيذ هذه الخطط بنجاح، فقد تشهد ليبيا استقرارًا حقيقيًا يعزز من جودة الحياة للمواطنين ويحقق تطورًا اقتصاديًا ملموسًا بعيدًا عن ردود الأفعال اللحظية.