بنغازي تطلق مشروع “المريسة” الحر لتحفيز الاقتصاد الليبي والأفريقي
في خطوة طموحة لتطوير الاقتصاد الليبي وتوسيع دوره في السوق الأفريقية والدولية، أعلنت مدينة بنغازي عن إطلاق مشروع المنطقة الحرة “المريسة”، الذي يُعتبر الأكبر من نوعه في ليبيا وشمال أفريقيا. يمثل هذا المشروع نقلة نوعية في الاقتصاد الليبي الذي يعاني من الاعتماد على الإيرادات النفطية فقط، حيث يسعى إلى تحقيق التنوع الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوطين الصناعات المحلية.
يمتد مشروع المنطقة الحرة المريسة على مساحة 1200 هكتار، ما يعادل 12 كيلومتراً مربعاً، ويضم 8 مناطق تطويرية مختلفة تتنوع بين صناعية، سياحية، مالية، إعلامية، وتحويلية. يتمركز المشروع حول ميناء رئيسي تبلغ مساحته 650 هكتار، ما يعادل 6.5 كيلومترات مربعة، ويوفر بيئة استثمارية حديثة ومتطورة لتلبية احتياجات السوق المحلية والدولية.
الموقع الاستراتيجي للمشروع، الذي يقع جنوب غرب بنغازي بالقرب من قناة السويس، يجعل منه بوابة تجارية رئيسية تربط بين أسواق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. كما أن الطريق البري الرابط بين بنغازي وأجدابيا وصولاً إلى الكفرة، والذي يمتد حتى تشاد والسودان، يُعد جزءاً من شبكة مواصلات إقليمية تعمل على تسهيل نقل البضائع من القارة الأفريقية إلى الأسواق الأوروبية.
لتنفيذ المشروع على أعلى المستويات العالمية، تم تكليف شركة “موت مكدونالد” الدولية بوضع المخطط العام للمنطقة الحرة، وتقديم استشاراتها بشأن تصميم وتنفيذ البنية التحتية وفق المعايير العالمية. كما استعانت إدارة المشروع بشركة “دي إل إيه بايبر” لوضع اللوائح التنظيمية الخاصة بالمنطقة، ما يضمن بيئة قانونية مرنة ومناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأوضح الدكتور أحمد بن عامر، رئيس اللجنة الاقتصادية لمشروع المنطقة الحرة المريسة، أن الهدف الأساسي من المشروع هو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز توطين الصناعات المحلية، بالإضافة إلى تحقيق الاستفادة من التقنيات الحديثة التي من شأنها تعزيز القدرات الإنتاجية للمناطق الصناعية داخل المشروع.
رغم التوقعات الإيجابية حول تأثير المشروع على الاقتصاد الليبي، إلا أن هناك جملة من التحديات التي تواجه المنطقة الحرة المريسة، وأبرزها المنافسة الإقليمية. حيث تعمل دول مثل مصر والجزائر على تطوير طرق مستدامة لتجارة العبور عبر أراضيها، مما قد يشكل منافسة قوية للمريسة. ومع ذلك، يؤكد الدكتور بن عامر على ضرورة إيجاد تكامل إقليمي بين ليبيا وهذه الدول، لضمان تحقيق مصالح اقتصادية مشتركة بدلاً من المنافسة الشرسة.
يُعتبر التحدي الأمني من أبرز المخاوف التي تواجه المستثمرين المحتملين في المنطقة الحرة المريسة. السلامة والأمن هما العاملان الأساسيان لنجاح تجارة العبور بين أوروبا وأفريقيا عبر بنغازي، حيث يشكل انعدام الاستقرار السياسي والأمني عائقاً رئيسياً أمام تأسيس تجارة عبور موثوقة. وفقاً لبن عامر، فإن تأسيس نظام حماية قوي يضمن سلامة البضائع هو شرط أساسي لجذب المستثمرين العالميين وطمأنتهم.
يعتبر مشروع المنطقة الحرة المريسة خطوة استراتيجية على طريق تحفيز النمو الاقتصادي في ليبيا، وتحقيق طموحات البلاد في التحول إلى اقتصاد متنوع لا يعتمد فقط على النفط. من المتوقع أن يوفر المشروع عشرات الآلاف من فرص العمل، ويعزز التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي.
الدكتور أحمد بن عامر، الذي يترأس اللجنة الاقتصادية للمشروع، يشدد على أن المشروع سيكون بمثابة قاطرة لتحفيز النمو الاقتصادي في البلاد، وتحقيق الاستفادة المثلى من موقع ليبيا الجغرافي كبوابة تجارية هامة تربط بين القارات. كما أنه يؤمن بأن التركيز على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين الصناعات المحلية، سيكون لهما تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد الليبي في السنوات القادمة.
ورغم التحديات، تبقى الآمال كبيرة على أن يُسهم المشروع في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي تحتاجه ليبيا، ويضع البلاد في مقدمة اللاعبين الاقتصاديين في المنطقة. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاوناً مكثفاً بين الحكومة الليبية والشركات الخاصة والجهات الإقليمية والدولية، فضلاً عن تعزيز الاستقرار الأمني في البلاد لضمان نجاح المشروع على المدى الطويل.