في مشهد يعكس حجم التحديات الإنسانية الجسيمة التي يواجهها آلاف المهاجريين السودانيين الذين يعبرون الحدود إلى ليبيا يوميًا، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عن تخصيص مليون جنيه إسترليني لدعم المجتمعات الليبية الأكثر تأثرًا والنزوح المستمر للعائلات السودانية، خاصة في منطقة الكفرة التي أصبحت محورًا رئيسيًا لاستقبال اللاجئين.
تعيش منطقة الكفرة ضغطًا غير مسبوق نتيجة تزايد اللاجئين السودانيين الذين يعبرون الحدود يوميًا بحثًا عن مأوى وأمان في ظل الظروف القاسية التي تشهدها بلادهم. وأمام هذا التحدي، لم تقتصر المساعدات الدولية على تقديم دعم مادي فحسب، بل امتدت لتشمل خدمات إنسانية منقذة للحياة. حيث تتبنى “يونيسف” هذه المبادرة لتعزيز الاستجابة الإنسانية من خلال توفير خدمات حماية الطفل وتحسين وصول المجتمعات المتضررة إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وهي خدمات أساسية في حالات الطوارئ.
وبحسب تصريحات للمتحدث باسم بلدية الكفرة، عبد الله سليمان، فإن تدفق اللاجئين إلى المدينة يشهد تزايدًا ملحوظًا، حيث يصل آلاف اللاجئين بشكل يومي. ويؤكد سليمان أن هذه الأعداد تقديرية، ما يشير إلى الحاجة الماسة لتوفير الموارد الأساسية والبنية التحتية التي تستوعب هذا التدفق المستمر.
بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعية الهلال الأحمر الليبي، أطلقت بلدية الكفرة حملة لتوزيع المساعدات الإنسانية، تهدف إلى تسجيل اللاجئين وتوفير الدعم الصحي والنفسي لهم، إلى جانب توزيع 5000 حصة معونة تشمل مواد غذائية وأدوات نظافة شخصية. ويؤكد سليمان أن جميع مخيمات اللاجئين في المدينة ستستفيد من هذه المساعدات.
لكن التحديات لا تتوقف هنا، إذ يشير سليمان إلى أن الحملة الإنسانية، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. فالبرد القارس يشكل تهديدًا إضافيًا للاجئين، خصوصًا الأطفال، الذين هم في أمس الحاجة إلى المأوى والملابس الشتوية، إلى جانب الغذاء والدواء.
مع اقتراب فصل الشتاء، تعبر بلدية الكفرة عن قلقها البالغ من تفاقم أوضاع اللاجئين، إذ تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير، ما يزيد من الضغط على الموارد الإنسانية المتاحة. ويضيف سليمان: “نحن بحاجة إلى دعم إضافي من المنظمات الدولية والحكومة الليبية لضمان سلامة اللاجئين من البرد القارس”. وتأتي هذه التصريحات في سياق حملة مناشدة لتوفير مساعدات طارئة، تشمل توفير أغطية وملابس شتوية، إلى جانب استمرار الدعم الصحي والنفسي.
على الجانب الآخر، تسعى الحكومة الليبية إلى وضع استراتيجيات للتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث اجتمع مسؤولون لمناقشة سبل تحسين الاستجابة للأعداد المتزايدة من اللاجئين. ففي اجتماع حكومي أخير، تم التطرق إلى التحديات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية وملف النازحين السودانيين، خاصة في ضوء الضغوط المتزايدة على الموارد المحلية في المناطق الحدودية مثل الكفرة.
الحكومة الليبية تبدو على مفترق طرق، حيث يتعين عليها التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية وفي نفس الوقت ضمان توفير الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية التي تأثرت أيضًا بالتدفق الكبير للاجئين. هذه الاستراتيجية تتطلب توازنًا دقيقًا بين تقديم الدعم للاجئين وضمان استدامة الموارد المحلية.
في هذا السياق، يبقى المجتمع الدولي، وخاصة المنظمات الإنسانية، أمام مسؤولية كبرى لتقديم الدعم اللازم للاجئين السودانيين والمجتمعات الليبية المتضررة. فمع كل يوم يمر، تزداد الحاجة إلى تدخلات سريعة وفعالة، ليس فقط لضمان تقديم المعونات الحالية، بل أيضًا لضمان حماية الفئات الأكثر ضعفًا من الأطفال والنساء في مواجهة الشتاء القادم.
الكفرة اليوم تقف في مواجهة أزمة إنسانية لا يمكن التعامل معها بشكل منفرد. ومع اقتراب فصل الشتاء، تبقى الحاجة إلى تضامن عالمي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.