شهدت الساحة السياسية الليبية توترات جديدة في إطار الخلاف المستمر حول مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، حيث هاجم عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، تصريحات زياد دغيم، عضو مجلس النواب المقال ومستشار رئيس المجلس الرئاسي. وصف العرفي تصريحات دغيم بأنها “تدليس لا يستحق الرد عليه”، مؤكدًا أن ما يقوم به دغيم لا يعدو كونه محاولة واضحة “لعهر سياسي” بهدف إدخال شخصيات تابعة له في مجلس إدارة المصرف المركزي.
تتجلى خلفية التصريحات في اتهامات دغيم بمحاولة “إشراك أشخاص من طرفه في مجلس إدارة المصرف المركزي”، وهي خطوة وصفها العرفي بأنها “اصطياد في الماء العكر”. تعتبر هذه التصريحات جزءًا من الصراع المستمر حول السيطرة على إدارة المصرف، الذي يُعد مؤسسة حيوية للاقتصاد الليبي، وسط انقسام سياسي يعصف بالبلاد منذ سنوات.
وأوضح العرفي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، أن “مجلس النواب ليس مختصًا بتحديد أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي”، مشيرًا إلى أن هذا الاختصاص يعود بشكل كامل للمحافظ ونائبه وفقًا لقانون المصارف. وأردف قائلًا: “هذا ما صرحنا به مرارًا وتكرارًا، ولكن ما يقوم به دغيم هو محض هراء سياسي”.
في صلب هذا الجدل، تبرز قضية فتحي المجبري، الشخصية التي كانت مرشحة لشغل منصب محافظ المصرف المركزي إبان تشكيل لجنة فرز ملفات المناصب السيادية. وعلى الرغم من أن المجبري لم يتم اختياره في نهاية المطاف، إلا أن دوره الحالي في مجلس إدارة المصرف أثار تساؤلات حول مدى قانونية وضعه.
أكد العرفي أن “عدم قبول فتحي المجبري لا يعد مخالفًا لقانون المصارف”، لكن المسألة الكبرى تكمن في تحديد هل هو “ممثل الرئاسي في مجلس إدارة المصرف، أم مجرد شخص آخر كان ضمن قائمة المرشحين”.
وبحسب العرفي، فإن المجبري لم يلق أي اعتراض من قبل مجلس النواب عندما تم ترشيحه في السابق، مما يضع الموقف الحالي في إطار تناقضات داخلية أكثر منها نزاعات قانونية بحتة.
أما بشأن دور مجلس النواب في هذه الأزمة، فقد كان العرفي واضحًا في التأكيد على أن “مجلس النواب بالفعل ليس له اختصاص في اختيار أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي”. ويستند العرفي في هذا التصريح إلى مواد قانون المصارف التي تمنح هذا الاختصاص حصريًا للمحافظ ونائبه.
في المقابل، أشار العرفي إلى أن “مجلس النواب يجتمع من خلال هيئة الرئاسة لاعتماد القائمة التي يرشحها المحافظ”. وفي هذا السياق، يُعد دور المجلس شكليًا إلى حد كبير، حيث لا يتمتع بسلطة اتخاذ قرار بشأن الأسماء المرشحة، بل فقط اعتمادها.
في تطور لافت، أشار العرفي إلى أن “الرئاسي خسر هذه الجولة” في إشارة إلى محاولات المجلس الرئاسي للتأثير على تركيبة مجلس إدارة المصرف المركزي. ويرى العرفي أن هذا الخسار دفع بعض الشخصيات في الرئاسي، وعلى رأسهم زياد دغيم، إلى “هرطقات” وتجاوزات واضحة في التصريحات السياسية.
وذهب العرفي إلى أبعد من ذلك عندما قال: “إنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض”، في إشارة إلى التناقضات الواضحة التي تعتري مواقف بعض أعضاء الرئاسي في التعامل مع القوانين والمؤسسات.
وأضاف العرفي أن الرئاسي “ينسى أن جميع القوانين هي من صنع البشر، ويمكن تعديلها عند الحاجة”، مشيرًا إلى أن الأزمة ليست في القوانين بحد ذاتها، بل في الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذه القوانين لتحقيق مكاسب سياسية.
في ختام تصريحاته، لم يتردد العرفي في توجيه أقسى الانتقادات لدغيم، واصفًا إياه بأنه “يمارس عهرًا سياسيًا”. ويعتبر هذا الوصف من أكثر الأوصاف الحادة التي جاءت على لسان العرفي في حق دغيم، مما يعكس حجم التوترات بين الشخصيتين.
يُفهم من هذه التصريحات أن العرفي يرى في دغيم شخصية “معلومة التوجهات”، وأنه يسعى لاستغلال منصبه كمستشار للرئاسي لتحقيق أهداف خاصة، بعيدًا عن المصلحة العامة أو القوانين التي تنظم عمل المصرف المركزي.
تشير هذه التطورات إلى أن المصرف المركزي بات يشكل إحدى ساحات الصراع السياسي الكبرى في ليبيا. فرغم أن المصرف يعتبر مؤسسة مالية مستقلة نظريًا، إلا أن النزاع حول تركيبة مجلس إدارته يكشف عن مدى تغلغل السياسة في هذه المؤسسة الحيوية.
يبدو أن الأزمة لا تتعلق فقط بالاقتصاد الليبي، بل بمسألة أعمق تتعلق بالتوازنات السياسية بين الأطراف المختلفة في البلاد. فمن جهة، يسعى مجلس النواب إلى الحفاظ على دوره الرقابي، في حين يحاول المجلس الرئاسي توسيع نفوذه عبر المؤسسات الاقتصادية.
من الصعب التنبؤ بمسار الأزمة الراهنة حول المصرف المركزي، ولكن من الواضح أن التوترات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي لن تنتهي قريبًا. قد تشهد الساحة السياسية المزيد من التصريحات المتبادلة والتصعيدات الكلامية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجه ليبيا.
وفي النهاية، تبقى مصالح الليبيين العادية هي المتضرر الأكبر من هذا الصراع، حيث يعاني الاقتصاد الوطني من تبعات هذا الانقسام السياسي الذي يطال المؤسسات المالية.