في مشهد يكاد يكون مألوفًا في بعض المناطق النائية أو تلك التي تبتعد عن الأنظار، حيث تستتر بعض الأنشطة غير القانونية في محاولة للهروب من أعين السلطات، عادت مدينة بنغازي لتكون شاهدة على كشف إحدى تلك الأنشطة المحظورة. مصنع متكامل لتصنيع الخمور المحلية يقع في قلب منطقة شبنه، خلف “الرابش” القديم، كشفه جهاز البحث الجنائي بعد عملية متابعة دقيقة استمرت لفترة، بناءً على معلومات مؤكدة وصلتهم من مصادرهم.
كل عملية ناجحة تبدأ بمعلومة. وكان أعضاء جهاز البحث الجنائي بنغازي على موعد مع هذه المعلومة التي أفادت بوجود نشاط مشبوه داخل إحدى الاستراحات في شبنه، لتبدأ رحلة التحقق منها. المهمة لم تكن سهلة، فالموقع كان يتسم بالسرية التامة، مما دفع أعضاء البحث والتحري لاتخاذ كافة الاحتياطات لضمان دقة العملية. ولأن التأكد من صحة المعلومات كان أولى الأولويات، وُضع المكان تحت المراقبة الدقيقة لفترة قصيرة، حيث تم خلالها تتبع الحركة المشبوهة التي أكدت صحة المعلومات الاستخبارية الواردة.
بمجرد أن اكتملت المعلومات وتأكدت الجهات المعنية من حقيقة النشاط القائم، كان لا بد من التحرك السريع والحاسم. وبعد الحصول على إذن النيابة العامة، تمت مداهمة الموقع بشكل مفاجئ. وبينما كان العاملون في المصنع منشغلين في مراحل تصنيع الخمور، كانت القوات الأمنية في طريقها لاقتحام المكان، لينتهي بهم المطاف وهم يواجهون أفراد الأمن الذين جاءوا لإنهاء هذا النشاط غير القانوني.
لم يكن المشهد داخل الاستراحة مفاجئًا فقط، بل كان صادمًا لكل من شاهد المكان بعد المداهمة. فقد تم اكتشاف مصنع متكامل لتصنيع الخمور المحلية، حيث كانت المعدات والمواد المستخدمة في جميع مراحل التصنيع متوفرة وبكميات كبيرة. من مرحلة التصنيع الأولى إلى النهاية، كانت الخمور تُعدّ لتكون جاهزة للتوزيع. وعند تفتيش الموقع، تمكن رجال البحث الجنائي من تحريز نحو 4000 لتر من الخمور المحلية المعروفة باسم “بوزة”، وكانت تلك الكمية في مرحلة التصنيع الأخيرة.
إضافة إلى تلك الكمية الكبيرة من الخمور، تم العثور على 20 جالونًا آخر من الخمور الجاهزة للبيع، مما زاد من ثقل التهم الموجهة للمصنع والعاملين فيه. من الواضح أن هذا المكان كان يمثل شبكة توزيع واسعة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول كيفية استمرار هذا النشاط دون اكتشافه لفترة طويلة. كما يثير الأمر التساؤلات حول التداعيات القانونية والاقتصادية لمثل هذه الأنشطة في المدينة.
لكن القصة لم تنتهِ هنا، حيث تم القبض على شخصين يحملان الجنسية المصرية كانا يديران هذا المصنع، وهما المسؤولان عن كافة مراحل الإنتاج والتوزيع. تم توقيفهما وإحالتهما إلى النيابة العامة، ليبدأ التحقيق في تفاصيل تورطهما في هذا النشاط المحظور. يعكس هذا الحادث تورط بعض العمالة الأجنبية في عمليات تصنيع غير قانونية في البلاد، وهو ما يفتح الباب أمام نقاشات حول تأثير هذه الأنشطة على المجتمع المحلي وأبعادها الأمنية.
لا يمكن الحديث عن هذا الحادث دون التطرق إلى التأثيرات السلبية لمثل هذه الأنشطة على المجتمع. فالخمور، وعلى الرغم من كونها ممنوعة قانونيًا في ليبيا، إلا أنها تجد طريقها إلى الأسواق السوداء، مما يفتح المجال لتفشي الجريمة المنظمة ويضر بصحة المستهلكين. صناعة مثل هذه المواد محليًا تشكل خطرًا على الصحة العامة، خاصة أن عمليات التصنيع غالبًا ما تتم في ظروف غير صحية وغير مراقبة، مما يزيد من احتمالية التسمم وانتشار الأمراض.
من ناحية أخرى، يعكس اكتشاف مثل هذه المصانع تحديات كبيرة تواجه الأجهزة الأمنية في ليبيا، خاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية المعقدة التي تمر بها البلاد. فالأمر لا يتعلق فقط بالخمور، بل بمظاهر الفوضى التي تسمح بانتشار مثل هذه الأنشطة. إضافة إلى ذلك، فإن وجود عمالة أجنبية متورطة في هذا النوع من الأنشطة يثير تساؤلات حول الرقابة على العمالة الأجنبية وآليات ضبطها.
تظل الجهود الأمنية مستمرة في محاولة للسيطرة على هذه الأنشطة التي تنتشر في بعض المناطق النائية أو تلك التي تكون بعيدة عن أعين السلطات. ورغم الظروف الصعبة التي تواجهها الأجهزة الأمنية في ليبيا، إلا أن ضبط مثل هذا المصنع يعكس كفاءة الأجهزة الرقابية وإصرارها على مواجهة هذه التحديات.
عملية المداهمة وضبط المصنع تمثل خطوة نحو استعادة النظام وفرض القانون في مدينة بنغازي. ورغم أن المعركة ضد الأنشطة غير القانونية لا تزال مستمرة، فإن مثل هذه النجاحات تعزز الثقة في قدرة الأجهزة الأمنية على التصدي لها. يظل التحدي الأكبر هو استمرارية هذه الجهود وتوسيع نطاقها ليشمل كافة المناطق التي قد تشهد أنشطة مماثلة.