شهدت مدينة صرمان تصاعدًا حادًا في التوتر الأمني خلال الأيام الماضية، بعدما قامت مجموعات مسلحة محلية بالتحشيد استعدادًا لاقتحام مقر نوري الرتيمي، التابع للقيادي عثمان اللهب. هذه التحركات جاءت على خلفية حادثة اختطاف عضو النيابة العسكرية، حسام دقيق، في تصعيد خطير للوضع الأمني الذي تعاني منه المنطقة.
تتوزع المجموعات المسلحة في صرمان بين الكابوات والربايع والجوامعية، المعروفين في الأوساط المحلية باسم “الكيشميات”. هذه الجماعات تعتبر من القوى التقليدية المسيطرة على المشهد الأمني بالمدينة، وقد بدأت مؤخرًا في التحشيد استعدادًا لما وصفه بعض المراقبين بـ”معركة السيطرة”، التي تستهدف اقتحام مقر نوري الرتيمي، المتحالف مع عثمان اللهب.
على الرغم من أن التفاصيل المتعلقة بالتحشيد المسلح لم تتضح بالكامل بعد، إلا أن السكان المحليين يشيرون إلى أن الأسباب تكمن في تصاعد حدة الخلافات بين اللهب وبعض العناصر المناوئة له، ما أدى إلى توتر الأوضاع إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها.
تعود حادثة اختطاف حسام دقيق، وهو عضو في النيابة العسكرية بصرمان، إلى أيام قليلة، حيث تم استدراجه واختطافه على يد مجموعة مسلحة تابعة لعثمان اللهب. هذه الحادثة لم تمر مرور الكرام، إذ سرعان ما اندلعت احتجاجات غاضبة بين أهالي المدينة، الذين اعتبروا أن الوضع الأمني أصبح خارج نطاق السيطرة.
يشير بعض الشهود إلى أن عملية الاختطاف جاءت كنتيجة لخلافات قديمة بين اللهب ودقيق، فيما يرى آخرون أن الحادثة هي جزء من سلسلة تصفيات حسابات تجري في الظل بين القوى المسلحة المتنازعة على النفوذ المحلي.
مع تصاعد حدة التوتر، لم يجد أهالي صرمان وسيلة للتعبير عن غضبهم سوى بإغلاق الطريق الساحلي الرئيسي الذي يمر عبر المدينة. فقد أقدمت مجموعات من الشباب الغاضب على إشعال النيران في الإطارات، معبرين عن استيائهم من تردي الأوضاع الأمنية والفوضى التي باتت تعصف بالمدينة.
وأفاد شهود عيان أن المئات من الأهالي تجمعوا على طول الطريق الساحلي، مطالبين السلطات المحلية بالتدخل العاجل لاستعادة النظام وضمان سلامة المواطنين، في حين استمرت المجموعات المسلحة في تحركاتها غير مبالية بتلك الاحتجاجات.
في خضم هذا التصعيد، شهدت صرمان إطلاق نار كثيف في مناطق متفرقة، ما زاد من حدة المخاوف بين الأهالي. الانتشار الكبير للأسلحة وسط الجماعات المسلحة المختلفة جعل من المدينة ساحة مفتوحة لصراعات قد تنفجر في أي لحظة.
وتسود حالة من القلق بين الأهالي، حيث يخشون أن تتحول صرمان إلى منطقة مواجهات مفتوحة بين المجموعات المتنافسة، مما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء في ظل غياب أي تدخل من السلطات الرسمية لاحتواء الموقف.
لم تصدر السلطات الرسمية بعد أي تصريحات توضح موقفها من التطورات المتسارعة في صرمان، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدى قدرتها على التعامل مع الوضع المتفاقم. وفي حين يتابع المجتمع الدولي بقلق هذه الأحداث، خاصة وأن ليبيا تمر بمرحلة سياسية هشة، يحذر محللون من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في البلاد بشكل عام.
ويشير مراقبون إلى أن صرمان ليست بمعزل عن السياق الأمني العام في ليبيا، حيث تتنامى الفوضى وتغيب المؤسسات الحكومية عن مناطق عدة، مما يفتح المجال أمام المجموعات المسلحة لتصفية حساباتها بالقوة.
منذ اندلاع الأزمة، يعاني أهالي صرمان من اضطرابات كبيرة في حياتهم اليومية. فالأسواق المحلية أغلقت أبوابها، والنشاط الاقتصادي بات شبه مشلول. كما أن إغلاق الطريق الساحلي قطع الشريان الرئيسي الذي يربط المدينة ببقية المدن الساحلية، مما أدى إلى عزلها عن باقي مناطق ليبيا.
ويعبر الكثيرون عن استيائهم من تردي الأوضاع، في ظل انعدام الأمن وانتشار الفوضى، حيث أصبحت الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر بسبب الصراعات المسلحة التي لا تهدأ.
في ظل هذا الوضع المتأزم، يطرح البعض تساؤلات حول مدى إمكانية التوصل إلى حل قريب ينهي هذا التوتر المتصاعد. ويعتقد بعض المحللين أن الحل يكمن في تدخل حازم من قبل السلطات المركزية، لضبط الأمن واستعادة النظام في المدينة.
ويرى آخرون أن الأزمة تتطلب أيضًا حوارًا بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى تسوية تنهي حالة العنف المتصاعد، وتحفظ مصالح الجميع دون اللجوء إلى مزيد من إراقة الدماء.
بينما تستمر الأزمة في صرمان بلا أي بوادر للتهدئة، يبقى مستقبل المدينة معلقًا على خيط رفيع، إما أن تسود لغة العقل والحوار، أو تنجر المنطقة إلى دوامة من العنف قد يكون من الصعب الخروج منها. وفي ظل هذه المعطيات، تظل صرمان نموذجًا مصغرًا للأزمة الليبية الشاملة، حيث يختلط السلاح بالسياسة، ويغيب الأمن في ظل تصاعد حدة الصراعات المحلية.