في الوقت الذي تشهد فيه ليبيا أزمات سياسية ومؤسساتية متشابكة، ظهر ملف الاستفتاء الوطني كأحدث محاور الجدل بين المؤسسات المختلفة، حيث أثار تصريح عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، موجة جديدة من الانتقادات تجاه المجلس الرئاسي. أكد بن شرادة أن إجراء أي استفتاء في ليبيا هو اختصاص أصيل للمفوضية العليا للانتخابات، محذرًا من أن محاولات المجلس الرئاسي لإنشاء جسم بديل للاستفتاء تشكل تجاوزًا واضحًا للصلاحيات الممنوحة له وفقًا للاتفاق السياسي، مما يفتح الباب أمام مخاطر جديدة تهدد استقرار البلاد.
يرى بن شرادة في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، أن المجلس الرئاسي قد أخطأ في فهم حدود صلاحياته بمحاولة إنشاء جسم للاستفتاء. المفوضية العليا للانتخابات، بحسب الدستور والقوانين الليبية، هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة وتنظيم الاستفتاءات الوطنية. واعتبر بن شرادة أن هذا التجاوز ليس مجرد خطأ تقني بل يشكل خرقًا للاتفاق السياسي الذي يفصل بدقة بين مهام وصلاحيات كل مؤسسة.
تحذير بن شرادة من الخطوة الأحادية للرئاسي يستند إلى تجربة سابقة مريرة. المجلس الرئاسي كان له دور رئيسي في تفاقم أزمة مصرف ليبيا المركزي، حينما اتخذ خطوات فردية دون تنسيق مع الأطراف الأخرى، مما عمق الانقسام المؤسسي. في ظل هذه الخلفية، يرى بن شرادة أن سعي الرئاسي لتكرار هذا السيناريو في ملف الاستفتاء قد يعيد نفس السيناريو المأساوي، ويفتح المجال أمام انهيار إضافي في المؤسسات الليبية الهشة.
مع تصاعد الحديث عن الاستفتاء الوطني، برزت فكرة الاستفتاء الإلكتروني كحل بديل بسبب التحديات اللوجستية والأمنية. ومع ذلك، يرى بن شرادة أن هذه الفكرة في ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي قد تكون بمثابة سلاح ذو حدين. فغياب الرقابة المركزية وضعف التنسيق بين المؤسسات قد يجعل من السهل التلاعب بنتائج الاستفتاء الإلكتروني، خصوصًا في بيئة منقسمة ومشحونة بالصراعات السياسية.
منذ إنشائه، كان الهدف من المجلس الرئاسي هو لعب دور الوسيط المحايد في الصراعات السياسية الليبية. إلا أن بن شرادة يرى أن الرئاسي قد فقد حياديته وأصبح طرفًا في النزاع السياسي. تجاوزاته في ملف الاستفتاء تعكس مناكفات سياسية أكثر من كونها خطوات بناء للوحدة الوطنية. ومع استمرار هذه المناورات، يبدو أن الرئاسي يعمل على تعزيز الفوضى بدلاً من استعادة الاستقرار، مما قد يقود البلاد إلى مزيد من الانقسام والتدهور المؤسسي.
المشهد الليبي الحالي لا يبدو مواتيًا لإجراء استفتاء وطني حقيقي يعبر عن إرادة الشعب الليبي. الانقسام السياسي والمؤسساتي، إلى جانب حالة الفوضى التي تخلقها تجاوزات المجلس الرئاسي، تجعل من الصعب تخيل إجراء استفتاء نزيه وشفاف. ومع ذلك، تبقى المفوضية العليا للانتخابات الأمل الوحيد في تنظيم استفتاء يعبر عن الإرادة الوطنية بشكل حقيقي، بعيدًا عن أي تدخلات سياسية أو مناورات مؤسسية.
وفي الختام، يعكس تصريح بن شرادة مخاوف حقيقية حول مستقبل الاستفتاء الوطني في ليبيا. في ظل غياب التنسيق المؤسسي واستمرار حالة الانقسام، يبدو أن البلاد قد تواجه تحديات إضافية تهدد استقرارها المؤسسي والسياسي. المجلس الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يكون رمزًا للوحدة الوطنية، يبدو أنه قد انزلق إلى دائرة المناكفات السياسية، مما يضع مستقبل الاستفتاء، ومستقبل ليبيا ككل، على المحك.