التقرير الصحي: ثلثا الليبيين في مواجهة خطر الأمراض السارية
أظهر تقرير جديد صادر عن المركز الوطني لمكافحة الأمراض أن أكثر من 66% من الليبيين معرضون لخطر الإصابة بأمراض سارية تهدد الحياة، حيث تستند هذه الأرقام إلى دراسة مسحية شملت عينة واسعة من الليبيين حول عوامل الاختطار المؤدية لهذه الأمراض. وقد أبرزت نتائج الدراسة حجم الخطر المرتبط بعوامل مختلفة تشمل أمراض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والتدخين، والسمنة، وقلة النشاط البدني، وسوء التغذية، مما يعكس أزمة صحية متزايدة تتطلب تحركاً عاجلاً.
أوضحت الدراسة أن الفئة العمرية بين 45 و70 عاماً تحمل النصيب الأكبر من خطر التعرض للأمراض غير السارية، حيث أظهرت النتائج أن لدى غالبية هذه الفئة ثلاثة أو أكثر من عوامل الخطر، مما يزيد من احتمال تدهور وضعهم الصحي ووفاتهم نتيجة أمراض مزمنة. وأكدت منظمة الصحة العالمية، التي أصدرت جزءاً من التقرير، أن أكثر من 90% من كبار السن في ليبيا يعانون من أمراض مزمنة كالسكري وأمراض الكلى واضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي، مشيرة إلى أن هذه الأمراض تعتبر من الأسباب الرئيسية للإعاقة في البلاد.
ورغم أن هذه الإحصائيات تبعث على القلق، يرى بعض الخبراء أن الاعتماد على العينات دون وجود تعداد سكاني شامل قد يحد من دقة هذه النسب، خاصة أن ليبيا لم تشهد تعداداً سكانياً منذ أكثر من سبع سنوات. لكن رغم هذه التحفظات، فإن الدراسة تشير إلى ضرورة وضع خطط وقائية من شأنها مواجهة هذه التحديات الصحية، خاصة لكبار السن المعرضين أكثر من غيرهم للأمراض السارية.
يشير التقرير أيضاً إلى أن 38% من الشباب الليبيين بين 18 و44 سنة يعانون من عوامل خطر متعددة تجعلهم عرضة لأمراض غير سارية في المستقبل. وقد أوضح الخبراء أن هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر حول مستقبل الصحة العامة في البلاد، حيث إن إهمال الاهتمام بالصحة العامة للشباب سيؤدي إلى تصاعد مشكلات صحية خطيرة تؤثر سلباً على الجيل القادم.
تشير الدراسات إلى أن تفاوت مستوى انتشار الأمراض السارية في المناطق الليبية يعود بشكل كبير إلى الاختلافات في أنماط الحياة والبيئة الغذائية. فالمناطق الريفية، على سبيل المثال، تتميز بأنماط غذائية أقل تأثراً بالتعديلات الجينية وتحتوي على نسبة أقل من الأغذية المصنعة، مما يجعل سكان هذه المناطق أقل عرضة للإصابة بأمراض كارتفاع ضغط الدم والسكري. ويرى الخبراء أن مثل هذه الفروقات تسلط الضوء على أهمية التركيز على التوعية الصحية في المناطق الحضرية التي تشهد انتشاراً أكبر للأمراض المزمنة.
شدد الخبراء الصحيون على ضرورة تعزيز سياسات وقائية في ليبيا، تقوم على تثقيف المواطنين حول أهمية الفحص الدوري واتباع أنماط حياة صحية. كما أكدوا على أهمية توعية كبار السن بطرق الوقاية الذاتية من الأمراض، مع ضرورة توفير مساحات وفضاءات خاصة بهم لتشجيعهم على النشاط البدني والتواصل الاجتماعي، حيث يلعب الاندماج المجتمعي دوراً حيوياً في تحسين الحالة النفسية والصحية لهذه الفئة.
لفت الخبراء إلى ضرورة عدم الاعتماد الكامل على المؤسسات الحكومية لمواجهة مخاطر الأمراض السارية بين كبار السن، مشيرين إلى أهمية تفعيل دور المؤسسات المجتمعية في توعية وتثقيف المواطنين. كما أكدوا على الحاجة إلى دعم مؤسسات الرعاية الصحية بتوفير برامج تدريبية متخصصة للعاملين في مجال الصحة، لمساعدتهم في تقديم رعاية متكاملة لكبار السن والمساعدة في مواجهة تحديات الصحة العامة.
وفي ظل هذه التحديات الصحية المتصاعدة، تبقى الحاجة إلى تطوير استراتيجيات وقائية شاملة وتوجيه المزيد من الاستثمارات لتحسين النظام الصحي في ليبيا من الأولويات الملحة. وتأتي أهمية هذه الاستراتيجيات من كونها ستسهم في تقليل الأعباء الصحية مستقبلاً على النظام الصحي الليبي، وتعزز من جودة حياة المواطنين.
ختاماً، إن التقرير الذي أصدره المركز الوطني لمكافحة الأمراض يشكل دعوة ملحة للجهات الصحية في ليبيا لاتخاذ خطوات جادة لمواجهة خطر الأمراض السارية المتزايد في البلاد، فالصحة العامة تتطلب تعاوناً مشتركاً بين الأفراد، والمجتمع، والمؤسسات الصحية لتحقيق مستقبل صحي أفضل للجميع.