منذ اندلاع الصراع قبل أكثر من عقد، تطورت الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد لتصبح متشابكة ومعقدة، حيث لم تعد جهود المصالحة السياسية أو محاولات إنهاء المرحلة الانتقالية كافية لتبديد الغموض الذي يلف المشهد الليبي. ومع تعاظم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في ظل التحديات السياسية، تبدو ليبيا اليوم وكأنها في مأزق يصعب تجاوزه، رغم المساعي الأممية والدولية المستمرة.
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي محمد امطيريد أن استمرار الجمود السياسي يرجع إلى خلافات داخل مجلس الأمن الدولي، وهو ما يؤثر سلباً على فعالية البعثة الأممية في ليبيا، التي تجد نفسها تعمل تحت قيود تمديد مهمة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ويرى امطيريد أن البعثة غير قادرة على أداء دورها بفعالية ضمن هذه الظروف الزمنية المحدودة، ما يشكل عائقاً أمام مساعيها لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
يشير امطيريد في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” إلى أن انقسام مجلس الدولة الليبي يعقد من طبيعة الحوار السياسي بين المجلسين، مجلس النواب ومجلس الدولة، ما يجعل التواصل بينهما أمراً شبه مستحيل في الوقت الراهن. هذا الانقسام لا يمثل فقط تحدياً داخلياً، بل يعكس أزمة الثقة التي يعاني منها النظام السياسي الليبي، حيث يبدو وكأن التفاهمات بين الأطراف السياسية أصبحت بعيدة المنال.
مع ازدياد تعقيدات المشهد السياسي، يشهد المجلس الرئاسي الليبي توسعاً في نطاق صلاحياته، متدخلاً في مسائل تتجاوز اختصاصاته القانونية. ويرى امطيريد أن هذا التوسع يشير إلى قدرة بعض الأطراف في طرابلس على اتخاذ قرارات مؤثرة على الواقع الليبي، لكنه يشكل في نفس الوقت خطراً على استقرار السلطة السياسية. حيث يمكن أن تعزز هذه التحركات من نفوذ حكومة الوحدة الوطنية وتجعل عملية تسليم السلطة لحكومة جديدة أمراً صعباً، خاصة في ظل اتساع نفوذها السياسي والميداني.
ويؤكد امطيريد في تصريحاته على أهمية وحدة الليبيين وحل مشكلاتهم دون اللجوء إلى تدخلات خارجية قد تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر. ويرى أن استمرار الخلافات بين الأطراف سيؤدي إلى مزيد من التشتت ويجعل الحل بعيد المنال. فالتدخلات الدولية المتكررة لم تساهم في تحقيق حل جذري حتى الآن، بل أسهمت أحياناً في تفاقم الانقسامات الداخلية وزيادة التوتر بين الأطراف المتصارعة.
في تطور لافت، أعرب امطيريد عن قلقه من محاولات المجلس الرئاسي للترويج لفكرة استفتاء عام وتأسيس هيئة خاصة للاستفتاء. ويعتبر امطيريد أن هذه الخطوة قد تزيد من تعقيد المشهد السياسي، حيث قد تؤدي إلى الإطاحة بمجلسي النواب والدولة، إذا ما حصلت على دعم دولي قوي. ويشير إلى أن هذه الخطوة، إن تمت، قد تكون لها تداعيات شبيهة بما حدث في ملف المصرف المركزي الليبي، مما يزيد من حدة الانقسام المؤسسي في البلاد.
يرى امطيريد أن الحل السياسي في ليبيا يكمن في التقاء قادة القرار من مناطق الشرق والغرب على طاولة الحوار، للوصول إلى تفاهمات ودية ضمن إطار زمني محدد. ويؤكد على أهمية وضع اتفاق سياسي مدعوم دولياً يهدف إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وتأسيس هيكلية سياسية مستقرة وقابلة للتطبيق، بعيداً عن التجاذبات السياسية المحلية والدولية.
الجمود السياسي الذي تشهده ليبيا لا يؤثر فقط على المشهد السياسي، بل ينعكس أيضاً على المجتمع الليبي الذي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، حيث تتدهور الأوضاع المعيشية نتيجة للأزمات المتعاقبة. ويؤكد الخبراء أن استمرار الجمود سيزيد من معاناة المواطنين ويعمق من الأزمة الاجتماعية، ما يجعل الحاجة إلى حل جذري أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى.
مع استمرار الجمود، يبقى مستقبل ليبيا غامضاً، فالتعقيدات السياسية والمصالح المتضاربة تعوق مساعي الاستقرار. وبينما تسعى البعثة الأممية لتحقيق توافقات سياسية تساهم في استقرار البلاد، تواجه جهودها تحديات لا يستهان بها، من أبرزها التمديد الزمني المحدود لها وصعوبة تحقيق تقارب فعلي بين الأطراف المتنازعة.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن حل الأزمة الليبية يتطلب إرادة سياسية صلبة وجهوداً موحدة من كافة الأطراف، مع إرساء تفاهمات شاملة تسهم في تجاوز حالة الركود السياسي والاجتماعي، وتدفع البلاد نحو مستقبل أفضل يعيد الأمل إلى قلوب الليبيين.