لا يزال المجلس الرئاسي يواجه انتقادات واسعة من أعضاء مجلس النواب، وأبرزهم عبد المنعم العرفي، الذي يعتقد أن الرئاسي فشل في أداء مهامه الأساسية، خاصة في قضايا المصالحة الوطنية وضبط الميليشيات والتمثيل الخارجي. رغم التحديات التي تشكلها الساحة، إلا أن المجلس الرئاسي، الذي تأسس لتحقيق الاستقرار وإعادة توحيد ليبيا، لم ينجح في تحقيق تلك الأهداف، ما أثار جدلًا مستمرًا حول فاعليته ودوره.
أحد أبرز الإخفاقات التي يشير إليها العرفي هو عجز الرئاسي عن سحب أسلحة الميليشيات، ودمجها في قوات رسمية أو أجسام أمنية تحت سيطرة الدولة. ووفق العرفي، لم يتمكن المجلس من فرض سيطرته على المشهد الأمني في المناطق الغربية، التي تظل مسلحة بترسانات قوية تمتلكها الميليشيات. هذا الفشل ألقى بظلاله على الأمن الداخلي، حيث تبدو المدن الليبية كأنها تدار وفق “شرعية الميليشيات” لا وفق القانون.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا الوضع يعزز من سلطة الميليشيات على حساب المؤسسات الرسمية، ما يجعل احتكار السلاح بعيد المنال، ويُصعب على الدولة الليبية استعادة سيادتها الأمنية في البلاد. ورغم تولي الرئاسي منصب القائد الأعلى، إلا أن ملف السيطرة على السلاح ظل معلّقًا.
إلى جانب الملف الأمني، ينتقد العرفي أداء وزارة الخارجية التي يرى أنها باتت عاجزة، وكأن ليبيا أصبحت “مرتعًا للسفراء”، حيث يتم تعيين سفراء دوليين دون وجود فعلي لوزارة خارجية تتابع وتتدخل. هذا الواقع يعكس ضعف المؤسسة الدبلوماسية ويثير التساؤلات حول قدرتها على فرض سيادتها الخارجية.
يرى منتقدو المجلس أن ليبيا بحاجة إلى تمثيل دبلوماسي قوي يضمن مصالحها الدولية، بدلاً من أن تتحول إلى ساحة نفوذ لأطراف خارجية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة. في ظل غياب الدبلوماسية الليبية الفاعلة، يُخشى أن تزداد حدة التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.
الصراع بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي لم يكن جديدًا؛ فالتوتر بينهما يعود إلى سنوات، وظهر جليًا في سعي الرئاسي لإضعاف النواب، وفق ما أشار إليه العرفي. هذا الصراع يعكس تباينات عميقة بين الهيئتين حول إدارة الدولة، حيث اتهم العرفي بعض الأطراف في الرئاسي، وعلى رأسهم سامي يونس المنفي، بالمشاركة في محاولات للإضرار بمجلس النواب، في محاولة للسيطرة على القرار السياسي الليبي.
مع استمرار هذا الصراع، تُطرح تساؤلات حول فرص التعاون بين النواب والرئاسي لتحقيق الاستقرار، أو إن كان الطريق سيكون محفوفًا بمزيد من العراقيل والصراعات التي لا تعود بالنفع على الشعب الليبي.
يأتي الملف المالي على رأس الأولويات التي تنتظر معالجة جادة من المجلس الرئاسي، غير أن العرفي يرى أن الرئاسي فشل في تحقيق الشفافية المطلوبة، خاصة فيما يتعلق بمصير الاحتياطيات المالية. ويشير العرفي إلى أن محافظ البنك المركزي السابق، الصديق الكبير، خرج دون أي مساءلة، ما يعمق أزمة الشفافية والمساءلة حول أموال ليبيا واحتياطياتها.
مع تزايد الدين العام وتراجع قيمة الدينار الليبي، تبدو المساءلة المالية حتمية للحفاظ على استقرار الاقتصاد، غير أن غياب الشفافية يثير المخاوف بشأن مصير الاحتياطيات. وبينما تطمح ليبيا إلى تحسين وضعها المالي، فإن الأزمات المستمرة على هذا الصعيد تجعل ذلك بعيد المنال.
ويختم العرفي حديثه بالإشارة إلى ملف المصالحة الوطنية الذي يرى أنه فشل فشلاً ذريعًا في تحقيق أي تقدم. فالرئاسي، الذي من المفترض أن يكون الضامن لإعادة اللحمة الوطنية، عجز عن إحداث أي تقدم ملموس، ما جعل من المصالحة مجرد مشروع دون أثر واقعي. يرى العرفي أن الفشل في هذا الملف يعكس عجزًا عميقًا لدى الرئاسي في فهم متطلبات الاستقرار وتحقيق السلام المجتمعي.
في ضوء هذه القضايا، يتبين أن المجلس الرئاسي يواجه تحديات متعددة ومتداخلة. ومع غياب أي بوادر حل للأزمة الليبية، يبقى التساؤل حول مستقبل المجلس الرئاسي وقدرته على تلبية تطلعات الشعب الليبي، في ظل الفشل الواضح في تحقيق الأهداف الأساسية التي تأسس من أجلها.