أصدر مصرف ليبيا المركزي مؤخرًا تقريرًا شاملًا يكشف حركة النقد الأجنبي في السوق وتفاصيل استخدامات المصارف له منذ بداية عام 2024 وحتى نهاية أكتوبر. ويظهر التقرير تراجعًا بنسبة 3.5% في استخدام النقد الأجنبي، حيث بلغ الإجمالي 16.9 مليار دولار مقارنة بـ17.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق. هذه البيانات تطرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع ومدى تأثيره على الاقتصاد، وسط تحديات تضغط على السوق المحلية وتزيد الطلب على الدولار.
وفقًا لتقرير البنك، فقد شهدت الاعتمادات المستندية تراجعًا طفيفًا من 10.16 مليارات دولار في 2023 إلى 10 مليارات دولار هذا العام. بينما انخفضت استخدامات النقد الأجنبي للأغراض الشخصية بنسبة 7.3%، من 7.07 مليارات إلى 6.55 مليارات دولار. يعكس هذا الانخفاض تراجعًا في قدرة السوق على تلبية طلب الأفراد والمؤسسات، لا سيما في ظل ضغوط التضخم وارتفاع الأسعار عالميًا. ويوضح الدكتور عطية الفيتوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، أن هذا التراجع يأتي رغم ارتفاع الإنفاق على الاعتمادات المستندية في شهر أكتوبر بنحو 1.65 مليار دولار، مما يظهر زيادة الطلب على الدولار لتلبية احتياجات المستوردين في ظل الاضطرابات العالمية.
من المثير للاهتمام أن طلب الأفراد والشركات على الدولار قد تضاعف بشكل ملحوظ خلال الشهر الأخير، إذ شهدت مصروفات بطاقات التجار ارتفاعًا من 38 مليون دولار إلى 76 مليون دولار بنهاية أكتوبر. ويعزو الفيتوري هذه الزيادة إلى تزايد استيراد السلع الأساسية وتلبية احتياجات السوق في ظل عدم استقرار الأسعار. ويضيف في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن هذا الطلب يعكس حالة من القلق بين الأفراد والمؤسسات، مما دفعهم لشراء المزيد من النقد الأجنبي لمواكبة الأسعار المتصاعدة للسلع المستوردة.
المحلل المالي عبد الحكيم عامر غيث يرى في التراجع مؤشرات مالية جيدة بالرغم من خفض ضريبة مبيعات النقد الأجنبي من 27% إلى 20% في أكتوبر، ما يعني دعم السوق بقدر أكبر من السيولة المتاحة للنقد الأجنبي. ويؤكد غيث أن العجز المتوقع في ميزان المدفوعات نهاية العام سيكون محدودًا بنحو 3.8 مليارات دولار، مرجحًا قدرة المصرف المركزي على معالجته باستخدام الاحتياطيات النقدية. غير أن غيث يشير إلى ضرورة تقوية الدينار الليبي وزيادة الضريبة لتعزيز القوة الشرائية في مواجهة تقلبات السوق.
شهدت الفترة الأخيرة تنامي طلبات الاعتمادات المستندية، حيث بلغت 12,800 طلب من أصل 14,572 طلبًا، تمثل ما نسبته 87.8% من إجمالي الطلبات المقدمة. وتظهر البيانات أن تركيا استحوذت على نسبة 22.4% من هذه الاعتمادات بقيمة 2.11 مليار دولار، تلتها الإمارات بنسبة 11.9%، مما يعكس تزايد دورها كوجهة رئيسية للواردات الليبية. ويأتي هذا الارتفاع في واردات الشركات الخاصة لتلبية الاحتياجات الأساسية، في وقت تتزايد فيه التقلبات الاقتصادية عالميًا. وقد أشار تقرير آخر إلى أن تركيا تستحوذ أيضًا على ما نسبته 21.1% من واردات القطاع الخاص، تليها الصين بنسبة 11.1%، ما يوضح التوجهات التجارية لليبيا والاعتماد المتزايد على الاستيراد.
أصدر مصرف ليبيا المركزي بيانًا حول إيرادات النقد الأجنبي، حيث أشار إلى أنها بلغت نحو 16.5 مليار دولار، منها 2.4 مليار دولار من الإتاوات على الصادرات. ومن جهة أخرى، ارتفعت إجمالي استخدامات النقد الأجنبي إلى 20.3 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر، مما يظهر فجوة مالية تتطلب إدارة فعّالة ومستدامة لتقليص الفجوة في ميزان المدفوعات.
تزداد التحديات التي تواجه السوق في ظل تراجع استخدام النقد الأجنبي والتقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية، مما يضع ضغوطًا على السياسات المالية. ولتجنب المخاطر المحتملة، يدعو الخبراء إلى ضرورة تنفيذ تدابير تحافظ على استقرار العملة وتدعم القوة الشرائية للدينار الليبي. ومع اقتراب نهاية العام، تبدو الحاجة ملحّة لتعاون أوسع بين مؤسسات الدولة لضبط سوق النقد الأجنبي، مع أهمية تعزيز الدور الرقابي للمصرف المركزي وتطبيق الإصلاحات المالية الضرورية لضمان استقرار الأسعار.