وسط تحديات سياسية وأمنية تعصف بليبيا، تسلط الانتخابات البلدية الضوء على توجه البلاد نحو تعزيز الحكم المحلي وتحقيق اللامركزية كوسيلة لتحسين كفاءة العمل الحكومي. أكد رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السائح، أن العملية الانتخابية تسير وفق المعايير الدولية، مشددًا على نزاهتها وأهميتها في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
منذ يونيو الماضي، بدأت التحضيرات لضمان انتخابات نزيهة. وأوضح السائح أن كافة المراكز الانتخابية تخضع لتنسيق أمني محكم، بما في ذلك الدوائر التي كانت محل شك. وأكد أن التقارير الواردة من المراكز الانتخابية خلال يوم الاقتراع ستحدد سير العملية بشكل دقيق، بينما ستصدر النتائج الأولية خلال ثلاثة أو أربعة أيام، إلا في حال وجود حاجة لإعادة الفرز.
تضم ليبيا حاليًا حوالي 150 بلدية، وهو عدد يرى السائح أنه يشكل عائقًا أمام كفاءة عمل الحكومات. “لا يمكن لأي حكومة أن تعمل بكفاءة في ظل هذا العدد من البلديات”، يقول السائح، مشيرًا إلى ضرورة تشكيل مجالس محافظين لتسهيل عملية الاتصال وتنفيذ السياسات. هذه الخطوة، إذا ما تحققت، يمكن أن تكون حلاً جذريًا لمشكلة المركزية التي تعاني منها كافة مناطق ليبيا.
تستعد المفوضية حاليًا للمرحلة الثانية من الانتخابات البلدية، والتي ستبدأ في يناير المقبل. وأعلن السائح أن تحديد يوم الاقتراع سيكون بعد شهر رمضان، مشددًا على أهمية استكمال هذا المشروع لضمان استقرار العمل المحلي في كافة المناطق.
ليست الانتخابات مجرد عملية تنظيمية، بل هي فرصة لإعادة هيكلة إدارة الدولة وتحقيق الحوكمة المحلية. يرى السائح في الانتخابات وسيلة لتعزيز اللامركزية، وهي قضية محورية لطالما أرهقت الليبيين بسبب سيطرة الدولة المركزية.
في خضم هذه التحولات، تعكس تصريحات رئيس المفوضية إصرارًا على المضي قدمًا رغم التحديات، مؤكدًا أن الانتخابات البلدية هي بداية لتغيير حقيقي. ولعل التجربة البلدية، إذا ما أُديرت بنجاح، تكون انطلاقة نحو انتخابات وطنية شاملة تُخرج ليبيا من أزماتها الراهنة، متجاوزة حالة الركود السياسي نحو آفاق جديدة من التنمية والمشاركة الشعبية.