في خضم تعقيدات المشهد السياسي، تتجدد الدعوات إلى المصالحة الوطنية كخطوة محورية لإعادة بناء الدولة وإرساء الاستقرار. السنوسي إسماعيل، المتحدث السابق باسم مجلس الدولة، شدد في تصريحاته الأخيرة على أن المصالحة ليست مجرد شعار سياسي، بل استحقاق يتطلب خطوات جريئة وملموسة، أبرزها إطلاق سراح السجناء السياسيين بمختلف انتماءاتهم.
يُعد الانقسام الحكومي أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ المصالحة الوطنية، حيث أدى هذا الانقسام إلى تعقيد المشهد وإضعاف قدرة المؤسسات على اتخاذ قرارات حاسمة. فمنذ تكليف البرلمان لحكومة جديدة، وانقطاع التنسيق مع حكومة الدبيبة منتهية الولاية، أصبحت مساعي المصالحة مرهونة بوجود حكومة موحدة قادرة على تمثيل كافة الأطراف والاتفاق على آليات التنفيذ.
هذا التشتت ليس جديداً، بل هو امتداد لصراع سياسي طال أمده بين الشرق والغرب، عرقل إنجاز الملفات المصيرية، بما في ذلك المصالحة. يرى السنوسي إسماعيل أن تجاوز هذا العائق يتطلب تنازلات متبادلة، مع ضرورة توفر إرادة سياسية واضحة تعلو فوق الحسابات الضيقة.
إطلاق سراح السجناء السياسيين يُعتبر حجر الزاوية في تحقيق المصالحة الوطنية. إذ يُشير إسماعيل في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″إلى أن هذه الخطوة تمثل بادرة حسن نية ضرورية لخلق بيئة من الثقة بين الأطراف المتنازعة. وقد شهدت ليبيا في فترات سابقة مبادرات مشابهة ساهمت في تهدئة التوترات، إلا أن غياب الاستمرارية في تنفيذ مثل هذه الخطوات أضعف أثرها على أرض الواقع.
مع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، خاصة مع تنامي شعور فقدان الثقة بين الأطراف المتصارعة. يتساءل مراقبون: هل سيجرؤ صناع القرار على اتخاذ مثل هذه الخطوات الشجاعة لإعادة بناء النسيج الوطني؟
منذ اندلاع الأزمة الليبية، نظمت العديد من المؤتمرات الوطنية والإقليمية، بهدف الوصول إلى حلول توافقية. إلا أن النتائج غالباً ما بقيت حبراً على ورق، بسبب غياب إرادة سياسية موحدة.
السنوسي إسماعيل يرى أن هذه المؤتمرات رغم أهميتها في تحفيز النقاشات، إلا أنها لا تُعتبر بديلاً عن وجود حكومة قوية قادرة على ترجمة المخرجات إلى واقع ملموس.
لطالما كانت الأمم المتحدة طرفاً رئيسياً في مساعي المصالحة الوطنية الليبية، سواء من خلال مبادراتها السياسية أو دعمها للمؤتمرات الوطنية. ورغم الانتقادات التي تواجهها البعثة الأممية بشأن فعاليتها، فإن إسماعيل يؤكد أن هذه الجهود تُضاف إلى رصيد المصالحة، خاصة إذا تمت إدارتها بشكل محايد يراعي توازن القوى.
المصالحة الوطنية ليست مجرد هدف مرحلي، بل هي ركيزة أساسية لبناء دولة دستورية قائمة على مؤسسات قوية. يشير إسماعيل إلى أن نجاح هذا المشروع يعتمد على تهيئة الظروف المناسبة، من خلال خطوات جريئة تُنهي الانقسام السياسي وتُعيد الثقة بين الليبيين.
في النهاية، تبقى المصالحة الوطنية رهينة الإرادة السياسية والقدرة على تجاوز الانقسامات. وبينما يطالب السنوسي إسماعيل بخطوات شجاعة، تظل الكرة في ملعب صناع القرار الذين يواجهون اختباراً حقيقياً: إما البناء على إرث التضحيات لتحقيق التوافق الوطني، أو ترك البلاد رهينة للصراعات والانقسامات.