وسط المشهد السياسي المعقد، يشكّل قرار حكومة تصريف الأعمال بدمج بلدية تاورغاء مع مصراتة جدلاً سياسياً وشعبياً يسلط الضوء على تحديات المصالحة الوطنية والعدالة الجغرافية. هذا القرار الذي اعتبره العديد من السياسيين والنشطاء “خطوة عبثية”، أثار ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية والشعبية، خصوصاً في تاورغاء التي كانت شاهدة على واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في ليبيا خلال السنوات الماضية.
عبدالنبي بوعرابة، عضو لجنة المصالحة بتاورغاء، انتقد القرار بشدة، معتبراً أنه يقوض جهود المصالحة التي عملت عليها العديد من الأطراف المحلية والدولية. في تصريحاته الصحفية، أشار بوعرابة إلى أن تاورغاء، كمدينة تعرضت لتهجير قسري على مدى سنوات، تحتاج إلى إرادة حقيقية لتمكين سكانها من اختيار ممثليهم بحرية، بعيداً عن أي تدخلات أو قرارات مركزية غير مدروسة.
وأضاف بوعرابة: “قرار دمج تاورغاء مع مصراتة لا يلبي تطلعات السكان ويزيد من تعقيد المشهد الإداري”. وأكد أن تقسيمات مفوضية الانتخابات دعمت فكرة استقلال تاورغاء كبلدية بناءً على معايير ديموغرافية وجغرافية واضحة، حيث يبلغ تعداد سكان المدينة حوالي 50 ألف نسمة، وهو عدد يفوق سكان بعض البلديات المستقلة الأخرى.
من جانبه، أعرب جاب الله الشيباني، عضو مجلس النواب، عن استنكاره الشديد لهذا القرار الذي وصفه بـ”غير الحكيم”. في مداخلة تلفزيونية، أوضح الشيباني أن القرار يأتي في توقيت حساس يتزامن مع الانتخابات البلدية، مما قد يضر بسير العملية الانتخابية التي كان الليبيون يترقبونها باعتبارها خطوة نحو الاستقرار السياسي.
وأشار الشيباني إلى أن أهالي تاورغاء رفضوا القرار علناً عبر بيانات رسمية وتواصلوا مع البعثة الأممية والنائب العام لاتخاذ إجراءات قانونية ضده. كما استذكر تاريخ تاورغاء كبلدية قائمة منذ عهد النظام السابق، متسائلاً عن الأسباب التي تدفع إلى تغيير وضعها الإداري الآن، في حين تمت إعادة بلديتها عام 2015 ضمن حكومة عبدالله الثني.
واعتبر الشيباني أن معايير إنشاء البلديات في ليبيا تعاني من غياب واضح للشفافية والعدالة، حيث تعتمد غالباً على الترضيات السياسية بدلاً من معايير ديموغرافية وخدمية واضحة. وقال: “هناك بلديات عدد سكانها لا يتجاوز 4 آلاف نسمة، في حين تضم تاورغاء 50 ألف نسمة، فكيف تُدمج مع مدينة أخرى؟”.
يشدد المراقبون على أن القرار يهدد بإعادة تأجيج التوترات السابقة بين تاورغاء ومصراتة، مما يعرقل مساعي المصالحة الوطنية التي ظلت محوراً أساسياً للجهود الأممية والمحلية خلال العقد الماضي. بوعرابة والشيباني كلاهما حذرا من أن فرض القرارات بالقوة ودون حوار حقيقي يعيد ليبيا إلى نقطة الصفر ويضر بالسلم الاجتماعي.
تاورغاء ليست مجرد مدينة، بل رمز لصراع طال أمده، وجسر للمصالحة بين ماضي ليبيا المضطرب ومستقبلها المأمول. سكان المدينة الذين عاشوا مرارة النزوح والعودة، يحتاجون اليوم إلى دعم حقيقي يكرّس استقلالهم ويتيح لهم المشاركة الفاعلة في بناء الدولة الليبية.
يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستكون القرارات الحكومية أداة لإرساء العدالة الجغرافية وتعزيز المصالحة الوطنية، أم أنها ستظل محكومة بالتجاذبات السياسية والمصالح الضيقة؟