في الوقت الذي يكافح فيه الليبيون من أجل البقاء وسط أزمة اقتصادية خانقة، تتواصل فضائح الفساد المالي في مؤسسات حكومة الدبيبة منتهية الولاية، التي تبدو وكأنها تسعى لتحويل ثروات البلاد إلى مكاسب شخصية دون رقيب أو حسيب. يكشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023 عن تفاصيل صادمة بشأن أوجه إنفاق مبالغ طائلة من أموال الشعب على بنود لا تمت بصلة إلى الأهداف التي خصصت من أجلها، في مشهد يعكس حجم الفوضى وسوء الإدارة الذي يعصف بالبلاد.
صرف 814 ألف دينار بلا مبرر قانوني
يُشير التقرير إلى صرف مبلغ 814.5 ألف دينار لصالح شركة الخطوط الجوية الليبية، وهو مبلغ خُصص لتسديد التزامات سابقة تتضمن تكليفات أشخاص غير ذوي اختصاص، من بينهم مدير مكتب النائب الرابع بحكومة الإنقاذ الوطني. هذا التصرف يمثل تجاوزًا صريحًا للقوانين الناظمة للعمل الحكومي، ويضع علامة استفهام كبيرة حول مدى جدية الدولة في محاربة الفساد.
علاوات سفر ومبيت: بوابة جديدة للتلاعب
وفي باب آخر من التجاوزات، يكشف التقرير عن إنفاق مبالغ مالية كبيرة على سفر وإقامة موظفين بلا علاقة وظيفية حقيقية بالمهام التي نُسبت إليهم. من ذلك، صرف 7.4 آلاف دينار كعلاوة سفر لدولة الجزائر بناءً على تعليمات وزيرة المرأة، بالإضافة إلى 19.8 ألف دينار و6.6 ألف دينار لحجز إقامة فندقية بتونس بناءً على تعليمات نائب رئيس الوزراء. هذه الأرقام تؤكد استغلال المناصب الحكومية لتغطية نفقات شخصية، في ظل غياب كامل للرقابة والمساءلة.
منتدى وزاري أم مكافآت بلا حد؟
تخصيص 5 ملايين دينار للمنتدى الوزاري العربي الخامس كان بمثابة فرصة ذهبية للتلاعب بالأموال العامة. ورغم أن مقترح الميزانية لم يتضمن صرف مكافآت، إلا أن التقرير يشير إلى إنفاق 295.1 ألف دينار كمكافآت لأشخاص ينتمون إلى جهات مالية مستقلة، في تجاوز واضح للأعراف والقوانين.
تفويض مالي يتحول إلى مكافآت شخصية
وفي مثال آخر على إساءة استخدام الأموال، رصد التقرير تفويضًا ماليًا بقيمة 604 آلاف دينار لوزارة التخطيط خصص للتدريب، إلا أن 350 ألف دينار منها استُخدمت كمكافآت شخصية للعاملين بالوزارة تحت مسمى إعداد تقارير فنية. هذه الخطوة تمثل انتهاكًا صارخًا للأهداف المخصصة للميزانية وتعكس ثقافة الاستغلال المنتشرة في المؤسسات.
ميزانية الطوارئ: مصروفات غير طارئة
بلغت مصروفات ميزانية الطوارئ 1.1 مليون دينار، ولكن بدلاً من استخدامها في معالجة أزمات عاجلة، أُنفقت على مصروفات إدارية لا تمت للطابع الطارئ بصلة. هذا التلاعب يكشف عن استهانة واضحة بحاجات الشعب الملحة وتحويل الموارد إلى مصارف هامشية.
المواطن الليبي: بين مطرقة الفقر وسندان الفساد
بينما تُبدد هذه الأموال في مكافآت وسفر وإقامات بلا مبرر، يقف المواطن الليبي عاجزًا أمام أزمات اقتصادية متفاقمة. انقطاع الكهرباء، نقص الوقود، غلاء الأسعار، وانهيار الخدمات العامة، كلها عوامل تجعل من الفساد المالي تهديدًا وجوديًا لكل فرد في البلاد.
ماذا بعد؟ الحاجة لإصلاح جذري
إن ما يكشفه تقرير ديوان المحاسبة ليس مجرد أرقام صادمة، بل هو شهادة واضحة على أزمة نظام كامل. يحتاج الليبيون إلى خطوات إصلاحية جذرية تبدأ من تفعيل دور الأجهزة الرقابية ومنحها الصلاحيات الكاملة لمحاسبة المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم.
خاتمة: ثروات ضائعة ومستقبل غامض
بين الأرقام المهدرة والممارسات الفاسدة، يبقى السؤال: إلى متى يستمر هذا الاستنزاف لثروات ليبيا؟ إن لم تتحرك الجهات المعنية لوقف هذا النزيف، فإن الأجيال القادمة ستدفع الثمن باهظًا، في بلد كان يمكن أن يكون من أغنى دول العالم ولكنه يئن اليوم تحت وطأة الفساد والإهمال.