ليبيا بين غياب القيادة واستمرار الصراعات
في ظل تعقيدات المشهد الليبي، يبدو أن الدولة تفتقر إلى القيادة المركزية التي يمكن أن تجمع شتات المؤسسات وتحافظ على السيادة الوطنية. جاء ذلك في تصريحات السنوسي إسماعيل، المتحدث السابق باسم مجلس الدولة الاستشاري، في مقابلة تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24″ تناولت أبرز التحديات التي تواجه ليبيا اليوم.
صرّح إسماعيل بأن غياب رئيس منتخب للدولة خلق حالة من الفراغ السياسي، مما أدى إلى صراعات حادة بين الأطراف المحلية وتزايد التدخلات الدولية. وأضاف أن العديد من مؤسسات الدولة، مثل المؤسسة الوطنية للنفط، تتصرف بشكل شبه مستقل، وكأنها “حكومة بذاتها”. هذه الفوضى الهيكلية تعكس ضعف السلطة المركزية وتآكل الثقة بين الشعب ومؤسساته.
من بين الملفات الساخنة التي تناولها إسماعيل، موضوع المقايضة النفطية، الذي يرى أنه يعكس غياب التنسيق بين المؤسسات المختلفة، بالإضافة إلى انعدام الرقابة الحقيقية على العملية. وأكد أن المجلس الرئاسي، رغم محاولاته التدخل، يواجه اتهامات بعدم الشرعية، مما يثير تساؤلات حول مدى جدوى تدخلاته في الأزمة.
أشار إسماعيل إلى أن الأزمة النفطية ليست محلية فقط، بل أصبحت ميدانًا للتنافس الدولي. فالشركات الأجنبية تسعى لتحقيق مصالحها، بينما تعمل بعض الدول على منع ليبيا من استغلال مواردها بشكل مستقل. واعتبر أن غياب البعثة الأممية عن لعب دور فعّال يفاقم الوضع، ويترك المجال مفتوحًا أمام التدخلات الأجنبية.
الأزمة التي كادت تعصف بليبيا، بحسب إسماعيل، تمثلت في الصراع داخل المصرف المركزي. لولا تدخل وزارة الخزانة الأمريكية، التي ساهمت في احتواء الموقف، لكانت النتائج كارثية. وأكد أن الإصلاح المالي في ليبيا يتطلب قيادة قادرة على ضبط المؤسسات النقدية ومنع استغلالها لتحقيق مكاسب فردية أو سياسية.
تحدث إسماعيل عن المؤسسات الرقابية في ليبيا، معتبرًا أنها تعاني من شرعية متآكلة. وأضاف أن دورها الحالي يقتصر على توثيق الفساد بدلًا من مكافحته، وهو ما يخلق بيئة مؤاتية لتفاقم الأزمات.
كمخرج مؤقت للأزمة، اقترح إسماعيل تقسيم موارد النفط بين الأطراف المختلفة إلى حين انتخاب رئيس يقود البلاد ويوحد مؤسساتها. وبرغم جدلية هذا الحل، فإنه يعكس حالة اليأس من إمكانية إيجاد حلول مستدامة في ظل الوضع الراهن.
ليبيا اليوم تقف على مفترق طرق حاسم، حيث تتداخل العوامل الداخلية والخارجية في صياغة مشهدها السياسي والاقتصادي. ومع استمرار غياب القيادة الفعالة، تبقى الأزمات متفاقمة، مهددة استقرار البلاد ومستقبلها. تصريحات السنوسي إسماعيل تضع الإصبع على الجرح، لكنها أيضًا تثير تساؤلات عميقة حول قدرة الليبيين على تجاوز هذه المحنة وصياغة مستقبل أفضل لدولتهم.