مع تصاعد وتيرة النقاش حول الوضع الاقتصادي المتردي في ليبيا، خرج الخبير الاقتصادي، مختار الجديد، بتصريحات لاذعة تطال الفساد المتجذر في المؤسسات المالية، وعلى رأسها وزارة المالية. وفقاً للجديد، فإن الوزارة ليست مجرد جهة إدارية؛ بل وصفها بـ”وكر الفساد”، حيث تُدار الأموال العامة بطريقة تفتح المجال للفساد دون حسيب أو رقيب.
من خلال تحليله في عدة منشورات له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ورصدتها “أخبار ليبيا 24“، أشار الجديد إلى أن وزارة المالية تتحمل المسؤولية الكبرى في إدارة المال العام. أي خلل أو فساد في هذه المنظومة يؤثر مباشرة على استقرار الاقتصاد الليبي. في المقابل، يرى الجديد أن ديوان المحاسبة يظل مجرد جهة رقابية مكملة، لكن من دون سلطات تنفيذية حقيقية لمعالجة الانحرافات الكبرى.
الحديث عن الفساد في ليبيا ليس جديداً، لكن الجديد ألقى الضوء على جانب مهمل: الاستثمارات الخارجية. يكشف أن العاملين في هذه الاستثمارات يتقاضون مرتبات خيالية بالدولار، إلى جانب مزايا إضافية تشمل التعليم لأبنائهم في أرقى المدارس بالخارج، وإقامات فاخرة في الفنادق. كل ذلك دون عائد واضح على الاقتصاد الوطني.
انتقد الجديد بشدة غياب الشفافية حول مرتبات العاملين في الاستثمارات الخارجية. فمن المعروف أن هذه المرتبات تُدفع بالدولار، وهي عملة شحيحة وذات قيمة مرتفعة محلياً، ما يفاقم أزمة النقد الأجنبي.
وفقاً لتصريحاته، فإن أحد أعضاء مجلس إدارة إحدى الشركات الاستثمارية الخارجية يتقاضى ما يعادل ألف ضعف مرتب عضو في مجلس النواب. السؤال الذي يطرحه الجديد هنا هو: إذا كان البرلمان ذاته موضع انتقاد بسبب عجزه، فما هو جدوى هذه الاستثمارات التي تستهلك الموارد ولا تُسهم في التنمية؟
على الجانب الآخر، تطرق الجديد إلى مصرف ليبيا المركزي، الذي أعلن نيته طباعة 30 مليار دينار إضافية. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الليبي على استيعاب هذا الحجم من النقد دون آثار تضخمية كارثية.
الجديد لم يخفِ قلقه من السياسات النقدية الحالية، مشيراً إلى أن الدينار المطبوعة حديثاً غالباً ما تتحول إلى دولارات عبر الإيداع في المصارف. ومع ذلك، يرى أن هذه الخطوة قد تحمل جانباً إيجابياً يتمثل في تحييد جزء من الكتلة النقدية، مما قد يسهم في استقرار سعر الصرف.
في سياق متصل، أعلن المصرف المركزي تعميماً يتيح للمواطنين استخدام البطاقات المصرفية لشراء ما يعادل 60% من مرتباتهم المؤجلة. هذا القرار، بحسب الجديد، يخفف من الضغط على السيولة النقدية، ويمنح المواطنين مرونة في تلبية احتياجاتهم الأساسية دون الحاجة لانتظار نزول المرتب.
تطبيق هذا الإجراء يحمل بُعداً تقنياً مهماً، حيث يشجع المواطنين على استخدام الوسائل الرقمية بدلاً من التعامل النقدي التقليدي. ومع ذلك، تظل هناك تساؤلات حول قدرة المصارف على توفير البنية التحتية اللازمة لتفعيل هذه الخطوة بكفاءة.
تحليل الوضع الحالي يكشف أن الاقتصاد الليبي يقف على مفترق طرق. من جهة، تعاني المؤسسات المالية من فساد هيكلي يهدد استدامتها. ومن جهة أخرى، تحاول السياسات النقدية الحد من تأثير الأزمات عبر إجراءات مؤقتة.
الجديد يرى أن الحل يكمن في إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية، بدءاً من محاربة الفساد في وكره داخل وزارة المالية، مروراً بضبط الإنفاق العام، وصولاً إلى تعزيز الشفافية في إدارة الاستثمارات الخارجية.
تصريحات مختار الجديد تسلط الضوء على قضايا محورية تشكل تحديات الاقتصاد الليبي اليوم. في ظل غياب إصلاحات جذرية، تظل هذه التحديات قائمة، ما يدفع للبحث عن بدائل جديدة للتعامل مع أزمات متشابكة.
يبقى الأمل في أن تكون هذه التحليلات نقطة انطلاق نحو نقاشات أوسع تعيد صياغة مستقبل الاقتصاد الليبي بطريقة أكثر استدامة وشفافية.