الأمطار تكشف تقصير الحكومة: صرخة عواج تتجاهلها السلطات
لا شيء يفضح هشاشة الحكومات كما تفعل الكوارث. فحين تهطل السماء بما يشبه الغضب، وتغرق الأرض في لُجج الماء والطين، تتكشف الحقائق القاسية. في بلدية قصر الأخيار، حيث السيول أحالتها إلى منطقة منكوبة، يقف العميد سالم عواج في تصريحات خاصة لـ “أخبار ليبيا 24” مخاطبًا الصمت الحكومي الذي صار هو الآخر جزءًا من الكارثة.
3000 عائلة.. ومأساة غائبة عن الرادار الحكومي
“لم تصلنا أي مساعدات حتى الآن”، بهذه العبارة الثقيلة بالخيبة بدأ عواج كشف المستور. أكثر من 3000 عائلة باتت بين متضررة ومهجّرة، يبحث أفرادها عن دعم لم يأتِ، بينما أرسلت الإغاثات إلى مناطق أخرى عبر الجو، تاركة قصر الأخيار خارج الحسابات.
المشهد هناك لا يمكن وصفه إلا بأنه مأساوي. الطرق التي فتحتها شركة الخدمات في مصراتة على الطريق الساحلي تبدو كمن يضع ضمادة صغيرة على جرح ينزف بغزارة. وفي داخل البلدية، يعمل السكان بمعول واحد لمواجهة ما جرفته السيول، تاركين الضواحي بلا أي أمل في الوصول إليها.
حكومة غائبة.. واحتجاجات حاضرة
بينما تكافح بلدية قصر الأخيار بآلة جرف واحدة، وقف المواطنون أمام مبنى البلدية في مشهد احتجاجي يعكس غضبًا مكتومًا. العبارات التي رددها المحتجون لم تكن سوى مرآة للصورة القاتمة: “أين الحكومة؟ أين الإغاثة؟”.
عواج لم يتوانَ عن توجيه نداء إلى رئاسة الوزراء ووزارة الحكم المحلي، مطالبًا بالنظر إلى الكارثة عن قرب. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تحتاج الحكومة إلى مناشدات لتدرك حجم الكارثة؟
الدبيبة.. مسؤوليات مهدرة ووعود في الهواء
حكومة عبدالحميد الدبيبة منهية الولاية التي تُعرّف نفسها بأنها حكومة “الوحدة الوطنية”، تبدو بعيدة كل البعد عن تحقيق هذه الوحدة في أوقات الأزمات. المشهد الذي يرسمه عواج يعيد إلى الأذهان التساؤلات حول جدية الحكومة في التعامل مع كوارث تضرب عمق المجتمع الليبي.
إرسال الإغاثات إلى مناطق بعينها وتجاهل أخرى ليس مجرد خلل إداري، بل هو مؤشر على نهج انتقائي يهدد الثقة الهشة التي ما زال المواطن يحتفظ ببقاياها تجاه السلطات.
مستشفى قصر الأخيار.. عنوان آخر للفشل
في قلب الكارثة، يقف المستشفى الوحيد في البلدية كمن يواجه العاصفة بسقف متهالك. الإمكانيات الطبية الضعيفة جعلت منه شاهدًا على عجز الحكومة عن تجهيز بنية تحتية صحية قادرة على التعامل مع الأزمات. فهل من المقبول أن تُترك 3000 عائلة بلا رعاية صحية كافية وسط كارثة بهذا الحجم؟
الطريق إلى الحل.. أم مجرد وعود جديدة؟
الأزمات ليست مجرد امتحان للحكومات، بل هي أيضًا فرصة لإعادة صياغة الأولويات. حكومة الدبيبة مطالبة اليوم بأكثر من مجرد إرسال الإغاثات؛ هي مطالبة بزيارة ميدانية، بقرارات حاسمة لإعادة تأهيل البنية التحتية، وبآلية دائمة للاستجابة السريعة في حالات الطوارئ.
لكن الواقع الذي عكسته تصريحات عواج يقول شيئًا آخر. فالحكومة، التي يبدو أنها تدير الأزمات من وراء المكاتب، لا تزال عاجزة عن التفاعل مع الواقع الذي يعيشه المواطن الليبي.
بين الاحتجاج واليأس.. هل من أمل؟
بينما يقف المواطنون أمام بلدية قصر الأخيار، هناك شعور متزايد بأن الحكومة التي كان يفترض بها أن تكون “حكومة الشعب” ليست سوى حكومة شعارات جوفاء. ومع كل ساعة تمر دون استجابة، تتضاءل الآمال ويزداد الغضب، ليس فقط في قصر الأخيار، بل في نفوس الليبيين الذين يرون في هذا المشهد تجسيدًا لفشل أوسع.
إن ما يجري في قصر الأخيار ليس مجرد مأساة محلية، بل هو عنوان لعجز الحكومة عن الوفاء بأبسط مسؤولياتها. وفي كل صرخة استغاثة يطلقها سالم عواج، هناك اتهام ضمني لحكومة الدبيبة بأنها لا ترى في الليبيين سوى أرقام، لا تستحق حتى الالتفات حين يتحول الرقم إلى كارثة.