تقف مدينة زليتن اليوم عند مفترق طرق بين كارثة بيئية متفاقمة وإهمال حكومي ألقى بظلاله على المواطنين، تاركاً إياهم في معاناة يومية لا يعرفون متى تنتهي. أزمة المياه الجوفية، التي اجتاحت مناطق واسعة من المدينة، تعكس خللاً هيكلياً في استجابة الدولة للكوارث، وسط حالة استياء متصاعدة بين الأهالي، الذين وجدوا أنفسهم بلا مسكن آمن أو تعويض يعيد لهم بعضاً من كرامة العيش.
المتحدث باسم المجلس البلدي زليتن، إسماعيل الجوصمي، عبّر عن استياء واسع النطاق بين المتضررين الذين باتوا يرون أن التسكين المؤقت وتمديد الإيجارات لا يمكن أن يكونا حلاً دائماً. وبالرغم من مرور أسابيع على تدخل فرق الخبراء المصريين والإنجليز، لم تصل أي نتائج أو تقارير عن الوضع الراهن أو الحلول الممكنة.
“ننتظر، ولكن إلى متى؟” يتساءل الجوصمي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” بأسى، مشيراً إلى أن الأزمة تتفاقم بينما تبدو الحكومة منشغلة بمسائل أخرى. فالتعويضات التي وُعدت بها البلدية لم تصل بعد، والمخصصات المالية التي كان يُفترض أن تُصرف للمتضررين ما زالت حبيسة المصرف المركزي.
في ظل هذه الأوضاع، يعيش أهالي زليتن كأنهم في معركة يومية مع الطبيعة. المياه الجوفية لا تترك لهم مجالاً للاستقرار، فيما يبدو أن حكومة الدبيبة، التي انتهت ولايتها وفقاً لشرعية دستورية وسياسية باتت مثار جدل، لا تعبأ بما يجري على الأرض.
بدلاً من أن تكون هذه الحكومة جزءاً من الحل، أصبحت عائقاً أمام أي استجابة حقيقية. فالمخصصات التي لم تُصرف، واللجان التي لم تُنتج سوى الوعود، تظهر أن الأولويات لدى الحكومة لا تشمل المواطن البسيط الذي يواجه اليوم كارثة مزدوجة: الطبيعة والإهمال.
في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، أعلن المجلس البلدي زليتن عن اجتماع موسع يُعقد مساء اليوم السبت، لمناقشة مستجدات الأزمة. الاجتماع يهدف إلى طرح حلول عاجلة وفعالة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن هل سيكون ذلك كافياً؟
تشير بعض المصادر إلى أن الاجتماع سيشمل مناقشة إمكانية الضغط على الجهات المختصة لتسريع صرف التعويضات والمخصصات، إلى جانب تقديم خطة طوارئ قد تشمل حلولاً جذرية للأزمة.
لكن الواقع يشير إلى أن زليتن ليست وحدها في هذا المشهد المأساوي. أزمات مشابهة تضرب مدناً ليبية أخرى، وسط غياب واضح لأي رؤية استراتيجية من قبل حكومة الدبيبة، التي يبدو أن همها الوحيد هو البقاء في السلطة مهما كان الثمن.
ما يحدث في زليتن هو انعكاس للوضع الكارثي الذي تعيشه ليبيا بأكملها، حيث أضحت الكوارث الطبيعية اختباراً يكشف هشاشة الدولة وانعدام كفاءتها.
إن هذه الأزمة لا تتعلق بالمياه الجوفية فقط، بل هي أزمة دولة في إدارة الأزمات. مواطنو زليتن وغيرهم في ليبيا يستحقون حكومة تُعطي الأولوية لحياتهم ومعاناتهم. ولكن، كما يبدو، فإن أولويات الحكومة الحالية أبعد ما تكون عن ذلك.