في خضم التحولات الاقتصادية التي تشهدها ليبيا، يبرز ملف السيولة النقدية كواحد من أكثر التحديات تعقيدًا وإلحاحًا على مدار الأعوام الماضية. ومع ذلك، يبدو أن الضوء بدأ يتسلل إلى نفق الأزمة الطويل مع إعلان عضو لجنة سعر الصرف السابق بـ مصرف ليبيا المركزي ، مصباح العكاري، عن رؤية جديدة قد تضع حدًا نهائيًا لهذا الملف بحلول عام 2025.
في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، أكد العكاري أن إنهاء أزمة السيولة يتطلب التزامًا شاملاً من كافة الأطراف، بدءًا من المواطن البسيط وانتهاءً بالمؤسسات الحكومية والخاصة. لكنه شدد على أن الحلول لن تكون تقليدية؛ بل عبر التحول الجذري نحو استخدام أدوات الدفع البديلة، التي تتيح للمواطنين إجراء معاملاتهم اليومية إلكترونيًا، دون الحاجة للتعامل مع النقد الورقي.
أشار العكاري إلى أن المصرف المركزي يولي أهمية كبرى للتحول الإلكتروني، وهو ما يعكس رغبة جادة في تقليل الاعتماد على السيولة النقدية. وأوضح أن استخدام تقنيات الدفع البديلة، كالتحويلات الإلكترونية والبطاقات المصرفية، لا يقتصر فقط على تسهيل المعاملات، بل يمتد إلى مكافحة الفساد الذي طالما ارتبط بالسحب النقدي والازدحام أمام المصارف.
لكن السؤال الأهم: هل المجتمع الليبي مهيأ لهذه القفزة التقنية؟ يشير العكاري إلى ضرورة تحفيز المواطنين عبر سياسات مالية مشجعة، مثل تمكينهم من استخدام 60% من مرتباتهم بالطرق الإلكترونية، وتقليل العمولات التي تفرضها المصارف التجارية.
من بين الحلول التي طرحها العكاري، تبرز فكرة تفعيل المضاربة المطلقة، وهي آلية تمنح المصارف التجارية حق استثمار فوائض أموالها لدى المصرف المركزي. ووفقًا له، فإن هذا الإجراء سيحقق مكاسب مزدوجة: رفع إيرادات المصارف من جهة، وتقليل الفارق في بيع الدينار الليبي الذي يتجاوز أحيانًا 35%.
هذا التحول يعكس رؤية أعمق للمركزي الليبي، الذي يسعى ليس فقط لحل أزمة السيولة، بل لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ككل. فالمصارف التي طالما اعتمدت على رسوم مرتفعة لتعويض خسائرها، ستجد في هذه الخطوة فرصة لتحسين أدائها المالي وتخفيف العبء عن العملاء.
واحدة من أبرز الفوائد التي أشار إليها العكاري هي إمكانية جمع إحصائيات دقيقة من خلال التحول الرقمي. فالدفع الإلكتروني لا يقتصر على كونه وسيلة عملية فحسب، بل يوفر قاعدة بيانات ضخمة يمكن استخدامها لإجراء دراسات تفصيلية عن أنماط الإنفاق، وتحليل الاحتياجات الاقتصادية، وصياغة سياسات مالية أكثر دقة.
على الرغم من أن رؤية العكاري تقدم حلولًا واعدة، إلا أن تنفيذها يواجه عقبات حقيقية. فالثقافة العامة التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على النقد الورقي تشكل حاجزًا أمام التحول الرقمي. كما أن البنية التحتية التقنية في ليبيا تحتاج إلى تطوير شامل لضمان سهولة وفعالية استخدام أدوات الدفع البديلة.
لكن الأمل يظل معقودًا على جهود المصرف المركزي، الذي أظهر إصرارًا غير مسبوق على المضي قدمًا في هذا المسار. وبينما ينتظر الليبيون انتهاء أزمة السيولة، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن ليبيا من تجاوز التحديات وتحقيق هذا التحول التاريخي؟