أمام مجلس الأمن الدولي، وضعت ستيفاني خوري، المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، ملامح رؤية جديدة تفتح آفاقًا لحل المأزق السياسي الليبي الممتد. جاءت إحاطتها في توقيت دقيق، حيث تتفاقم الأزمات السياسية والمؤسسية، ويتصاعد القلق الدولي بشأن الاستقرار في البلاد.
أعلنت خوري عن خطة لتشكيل لجنة استشارية مؤقتة من خبراء وشخصيات ليبية، تهدف إلى معالجة الملفات العالقة، وفي مقدمتها ملف الانتخابات المتأخر منذ أكثر من ثلاث سنوات. وشددت على أن اللجنة “ليست لاتخاذ القرارات، بل لتقديم خيارات تفتح الطريق نحو التوافق الوطني.”
وأضافت أن نجاح هذه اللجنة يعتمد على انخراط كافة الأطراف الليبية، مؤكدةً أن أي حكومة جديدة يجب أن تكون قادرة على ضمان الأمن والاستقرار في جميع المناطق. هذه الخطوة تهدف، بحسب خوري، إلى التمهيد للانتخابات الوطنية كسبيل وحيد لاستعادة الشرعية.
رغم الجهود الأممية، أعربت خوري عن قلقها حيال “تآكل المؤسسات الليبية” نتيجة الإجراءات الأحادية والانقسامات المتزايدة، مشيرةً إلى أزمة المصرف المركزي الأخيرة التي تعكس حالة الجمود السياسي.
وأوضحت أن الانقسام المستمر داخل المجلس الأعلى للدولة يؤثر سلبًا على أداء المجلس، معتبرةً ذلك “مؤشرًا خطيرًا على تفكك مشاريع الحوكمة في ليبيا.” وأكدت أن “الوضع القائم لا يمكن أن يستمر”، في إشارة إلى غياب توافق سياسي حقيقي يعزز بناء مؤسسات الدولة.
لم تغفل خوري الملف الحقوقي، حيث وصفت ظروف الاحتجاز في ليبيا بأنها “مقلقة للغاية.” وكشفت عن حالات وفاة داخل مراكز الاحتجاز، ودعت السلطات الليبية إلى تمكين البعثة الأممية من متابعة الأوضاع. وأضافت: “لابد من محاسبة المسؤولين عن الاعتقالات التعسفية والانتهاكات الجسيمة.”
وأشارت إلى أن تحسين ظروف حقوق الإنسان وحماية المهاجرين وفقًا للقانون الدولي يعد من أولويات الأمم المتحدة في ليبيا.
في ظل المشهد الأمني الهش، حذرت خوري من تأثير الانقسامات المسلحة والتنافس على الموارد على جهود المصالحة. ولفتت إلى اندلاع مواجهات جديدة في الأيام الماضية، قائلةً: “هذا التصعيد يوضح حجم المخاطر الناتجة عن الكيانات المنقسمة.”
لكنها أبدت تفاؤلًا حذرًا، مشيرةً إلى أهمية بناء رؤية موحدة لمستقبل البلاد عبر “حوار ليبي-ليبي منظم” يقوده الليبيون أنفسهم.
وجهت خوري نداءً للقادة الليبيين للإسراع في الاتفاق على آليات الإنفاق والموازنة العامة لعام 2025، مؤكدةً أن المماطلة ستفاقم الأزمة. كما شددت على ضرورة ضمان مشاركة كل الأطراف السياسية في العملية القادمة، لأن أي إقصاء سيؤدي إلى فشل الجهود المبذولة.
في ختام إحاطتها، أكدت خوري أن الأمم المتحدة ستواصل دعمها الكامل للشعب الليبي لتحقيق السلام والاستقرار. وأضافت: “يجب أن نضمن أن المبادرات القادمة تترك إرثًا إيجابيًا للإصلاح السياسي والاقتصادي.”
يبقى التساؤل: هل ستنجح الأمم المتحدة في كسر حالة الجمود السياسي التي تخيم على المشهد الليبي؟ وبينما تبدو الخطة الأممية شاملة، فإن نجاحها يعتمد بشكل كبير على إرادة الأطراف الليبية وقدرتها على تجاوز الانقسامات.
الكلمة الأخيرة
إن تحقيق الوحدة الليبية واستعادة الاستقرار بات مطلبًا ملحًا للشعب الليبي، الذي يترقب خطوات ملموسة تفتح الطريق نحو بناء دولة تضمن له حقوقه ومستقبله.