بين أروقة الأمم المتحدة وجلسات مجلس الأمن، يتجدد الحديث عن الأزمة الليبية، في محاولة لتفكيك الجمود السياسي الذي أصبح واقعًا مُقلقًا يهدد استقرار البلاد. تصريحات مندوب بريطانيا أمام مجلس الأمن الدولي كانت واضحة وصريحة، إذ حملت بين طياتها إشارات قلق إزاء الوضع الراهن، ونداءات تدعو القادة الليبيين لتحمل مسؤولياتهم التاريخية.
“الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر”، بهذه العبارة أطلق مندوب بريطانيا صرخة تحذير مدوية، مشيرًا إلى أن الجمود الحالي في ليبيا يخدم مصالح قلة من الأطراف الفاعلة، التي تفضل الإبقاء على الوضع الهش لتحقيق مكاسب قصيرة المدى. هذا الجمود، كما وصفه، لا يؤدي سوى إلى مزيد من التصدعات في جسم الدولة الليبية، ويهدد بنقل الأزمات السياسية إلى مستويات جديدة من الفوضى.
وسط هذه الأجواء المتوترة، أضاءت الانتخابات البلدية بارقة أمل صغيرة، حيث أشاد مندوب بريطانيا بالمرحلة الأولى الناجحة للعملية الانتخابية، مشددًا على أهمية البناء على هذا النجاح لتحقيق تقدم ملموس في المرحلة الثانية. الانتخابات البلدية تمثل خطوة رمزية لكنها مهمة نحو استعادة الثقة بين الليبيين، وإثبات أن التغيير ممكن، إذا توفرت الإرادة السياسية.
في خطابه، أكد المندوب البريطاني على أهمية أن تكون الحلول نابعة من الليبيين أنفسهم، معتبرًا أن الجهود الأممية تأتي لدعم هذه العملية، وليس لفرض أجندات خارجية. من هنا، أعرب عن دعمه الكامل لخطة ستيفاني خوري، مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة، التي ترتكز على تأسيس حكومة موحدة، وتنظيم انتخابات وطنية شاملة.
تطرق مندوب بريطانيا أيضًا إلى التقرير الصادر عن فريق الخبراء المعني بليبيا، الذي رسم صورة قاتمة حول فعالية حظر توريد الأسلحة. هذا الحظر الذي كان من المفترض أن يسهم في تهدئة الصراع، بات يعاني من تجاوزات واسعة النطاق، ما أدى إلى ازدهار عمليات تهريب الوقود وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان.
التقرير أشار إلى أن الحظر الحالي يفتقر إلى آليات تنفيذ فعالة، ما سمح بمرور الأسلحة والوقود عبر قنوات غير شرعية، ما يساهم في تأجيج النزاع وتعقيد الأزمة السياسية والأمنية.
وفي سياق حديثه عن الأدوار الدولية، دعا المندوب البريطاني الأمم المتحدة إلى الإسراع في تعيين مبعوث خاص جديد إلى ليبيا، خلفًا للمبعوث المستقيل، معتبرًا أن وجود قيادة أممية ثابتة أمر لا غنى عنه لتحقيق تقدم في المسار السياسي.
إن الأزمة الليبية ليست مجرد أزمة داخلية، بل هي معضلة إقليمية ودولية تُلقي بظلالها على استقرار منطقة شمال إفريقيا بأكملها. وبينما تظل المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الليبيين، فإن المجتمع الدولي، كما شدد مندوب بريطانيا، مطالب بتوفير الدعم الفني والسياسي، بما يكفل تنظيم انتخابات شفافة تعكس إرادة الشعب الليبي.
ختامًا، تبقى ليبيا على مفترق طرق. الجمود الراهن يمكن أن يستمر لسنوات، لكن الفرص الصغيرة التي تلوح في الأفق، مثل الانتخابات البلدية وخطة الأمم المتحدة، تحمل في طياتها بذور التغيير. على الليبيين اغتنام هذه الفرص، وعلى العالم أن يظل شريكًا ملتزمًا في تحقيق هذا التغيير.