في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، ألقى مندوب فرنسا كلمة تمثل رؤية باريس لما يجب أن يكون عليه المسار السياسي في ليبيا. جاءت التصريحات في وقت حرج يمر به البلد، حيث تسعى الأطراف الدولية لإيجاد حلول ناجعة لأزمة ممتدة لأكثر من عقد.
عبّر مندوب فرنسا عن ترحيب بلاده بالمرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، واصفًا إياها بأنها “خطوة مهمة تعبر عن إرادة الليبيين”. الانتخابات البلدية لم تكن مجرد استحقاق محلي، بل رمزًا للأمل في مستقبل يتجاوز الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي أنهك الدولة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن لهذه الانتخابات أن تكون نقطة انطلاق نحو الاستقرار؟ يرى الفرنسيون أن نجاح هذه المرحلة يجب أن يكون محفزًا للأطراف الليبية للتوجه نحو استكمال المسار السياسي.
مندوب فرنسا لم يغفل التأكيد على أهمية تنفيذ خطة عام 2021، التي تهدف إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوحيد المؤسسات الليبية. في هذا السياق، قال: “استقرار ليبيا لن يتحقق إلا بتوحيد مؤسسات الدولة وسحب كافة القوات الأجنبية”.
القضية هنا ليست مجرد خروج المقاتلين الأجانب، بل استعادة السيادة الليبية التي أصبحت رهينة لتدخلات إقليمية ودولية متشابكة. يُنظر إلى انسحاب هذه القوات كشرط لا غنى عنه لضمان استقرار طويل الأمد.
أكد المندوب الفرنسي دعم باريس للجهود التي تبذلها ستيفاني خوري، مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة. ويرى الفرنسيون أن خوري قد وضعت أسسًا لمبادرات قادرة على تشكيل حكومة موحدة، تكون قادرة على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتوازي.
الحكومة الموحدة التي يتحدث عنها المندوب الفرنسي ليست مجرد فكرة، بل ضرورة عملية لإزالة العوائق أمام إجراء انتخابات وطنية تُخرج ليبيا من دوامة الانقسامات السياسية.
لم يخف المندوب الفرنسي قلق بلاده من الأوضاع الأمنية المتدهورة في ليبيا، حيث أشار إلى أن “انعدام الأمن في الإقليم يعكس هشاشة الوضع الداخلي”. كما سلط الضوء على تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، داعيًا المجتمع الدولي إلى تعزيز آليات الرصد والمحاسبة.
في ظل خلو منصب المبعوث الأممي الخاص بليبيا، دعا مندوب فرنسا إلى الإسراع بتعيين ممثل جديد للأمين العام للأمم المتحدة. وشدد على ضرورة أن يستفيد هذا المبعوث من الجهود الحالية والمبادرات المطروحة، خاصة تلك التي تقودها خوري.
بينما يعبر الفرنسيون عن دعمهم الكامل للعملية السياسية، تبرز تساؤلات حول قدرة الليبيين أنفسهم على الاستفادة من هذا الزخم الدولي. هل يمكن للأطراف السياسية أن تتحاور بحسن نية لتشكيل حكومة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب الليبي؟
الانتخابات البلدية الأخيرة أظهرت أن هناك رغبة جماهيرية للتغيير، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر جهود الليبيين أنفسهم، مع الدعم الدولي لضمان تهيئة المناخ السياسي والأمني المناسب.
ختامًا، يبدو أن الرؤية الفرنسية للأزمة الليبية تنطلق من قناعة بأن الحل يجب أن يكون ليبيًا في الأساس، مع وجود دعم دولي يعزز هذا المسار. الانتخابات البلدية قد تكون البداية، لكنها ليست النهاية. يبقى على الليبيين استكمال المسيرة بإرادة وطنية صادقة، مدعومة بجهود أممية ودولية متسقة.