لم تزل العاصمة طرابلس تتأرجح على حافة الاضطرابات الأمنية والسياسية، حيث أطلّ فجر يوم الإثنين مشهد جديد يُجسّد واقع البلاد المتأزم. في وسط هذا الواقع الغامض، أعلنت جمعية الدعوة الإسلامية في بيان رسمي في خطاب تحصلت “أخبار ليبيا 24″ على نسخة منه عن اختطاف مدير مكتب الاستثمار بالجمعية، معاذ الهاشمي، على أيدي تشكيلات مسلحة تابعة للحكومة المؤقتة بقيادة عبد الحميد الدبيبة. البيان كان صريحًا وحازمًا، حمل نبرة استياء وتحدٍّ، محذرًا من محاولة جديدة لنيل السيطرة على موارد الجمعية وأموالها تحت مظلة الصراع السياسي.
في ظهيرة يوم الإثنين، وبينما كان معاذ الهاشمي يمارس مهامه المعتادة في طرابلس، انقطعت الأخبار عنه بشكل مفاجئ. وبعد ساعات من الغموض والقلق، صدر بيان جمعية الدعوة الإسلامية الذي كشف الحقيقة المروعة: اختطاف المدير من قبل جهة مجهولة تعمل تحت جناح التشكيلات المسلحة. الحدث ألقى الضوء مرة أخرى على هشاشة الأوضاع الأمنية في طرابلس، التي أصبحت في السنوات الأخيرة مركزًا للتنافس المسلح على النفوذ.
البيان الصادر عن جمعية الدعوة لم يكن مجرد إدانة لعملية الاختطاف، بل حمل بين طياته إشارات واضحة إلى صراع سياسي مستمر. فقد وصفت الجمعية الواقعة بأنها محاولة فاشلة لتنصيب شخص مقرب من وزير الداخلية، بدعم حكومي قالت إنه “منعدم بحكم القانون”، في إشارة إلى أحكام محاكم الاستئناف في طرابلس وبنغازي التي أبطلت قرارات سابقة تتعلق بالجمعية.
هذه الواقعة تعيد إلى الأذهان سلسلة من المحاولات المتكررة للسيطرة على مؤسسات أهلية وخيرية ذات أهمية اقتصادية، حيث يرى مراقبون أن أطرافًا متنفذة تسعى لاستغلال هذه المؤسسات كأدوات لتعزيز سلطتها المالية والسياسية.
أحد أبرز المحاور التي ركز عليها البيان هو التلميح إلى أن تغييب الهاشمي يمثل محاولة للسطو على أرصدة وأموال الجمعية. فجمعية الدعوة الإسلامية، التي تعد من أعرق الجمعيات في ليبيا، تملك استثمارات وأصولًا مالية ضخمة، وهو ما يجعلها هدفًا مغريًا للأطراف التي لا تتردد في استخدام العنف لبلوغ أهدافها.
الجمعية أكدت أن تغييب مدير الاستثمار هو “محاولة أخيرة ستفشل”، لكنها في ذات الوقت أثارت مخاوف جدية حول تأثير مثل هذه الحوادث على سمعة المؤسسة وعملها، وهو ما قد يلقي بظلال ثقيلة على دورها الوطني والإنساني.
لم تكتفِ جمعية الدعوة الإسلامية بإلقاء اللوم على التشكيلات المسلحة فقط، بل وجهت اتهامات مباشرة إلى وزارة الداخلية، معتبرة أن صمتها أو عدم تدخلها في القضية هو شكل من أشكال التواطؤ. البيان طالب بشكل صريح وزارة الداخلية بتحمل مسؤوليتها الكاملة عن سلامة معاذ الهاشمي، ودعا الدبيبة إلى اتخاذ موقف حازم لمنع هذه الجهات من التدخل في عمل الجمعية.
كما ناشدت الجمعية النائب العام بالتدخل العاجل للكشف عن ملابسات الحادثة وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. هذا الطلب يحمل في طياته دعوة صريحة لوضع حد لحالة الإفلات من العقاب التي تشجع التشكيلات المسلحة على تكرار مثل هذه الانتهاكات.
حادثة اختطاف الهاشمي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة إذا استمرت الظروف الأمنية الراهنة. طرابلس، التي تعيش على وقع التنافس المسلح والصراع السياسي، أصبحت بيئة مثالية لتنامي نفوذ التشكيلات المسلحة، التي باتت تُسيّر شؤون العاصمة أحيانًا بقراراتها الفردية.
في هذا السياق، يرى محللون أن واقعة الاختطاف الأخيرة تعكس ضعف الدولة وعجزها عن فرض سيادتها على كافة مؤسساتها. فعندما تصبح شخصيات بارزة كمعاذ الهاشمي عرضة للخطف والاختفاء القسري، فإن ذلك يعني أن السلطة المركزية فقدت قبضتها على الأمور.
جمعية الدعوة الإسلامية، كإحدى المؤسسات الرائدة في العمل الخيري والمدني، تجد نفسها اليوم في مواجهة تحدٍّ مزدوج: الدفاع عن دورها واستقلاليتها، وفي الوقت ذاته، مقاومة الضغوط المسلطة عليها من الأطراف التي تحاول تسييرها وفقًا لأجنداتها.
ومع ذلك، فإن دعم المجتمع المدني والجمهور لهذه الجمعية قد يكون العنصر الحاسم في حماية دورها واستمرارها في تقديم خدماتها.
في ختام هذا المشهد، يبقى التساؤل الأكبر: هل ستتحرك السلطات بشكل جاد وسريع لإطلاق سراح معاذ الهاشمي ووضع حد لهذه التجاوزات؟ أم أن هذه الواقعة ستُضاف إلى قائمة طويلة من الجرائم التي لا تجد طريقها إلى العدالة؟
جمعية الدعوة الإسلامية أطلقت رسالتها بوضوح، ولكن الأمر الآن يتطلب موقفًا جادًا من الدولة والمجتمع معًا. فلا يمكن بناء دولة قوية دون مؤسسات مستقلة وآمنة، ولا يمكن حماية الاستقرار دون كبح جماح الفوضى المسلحة.