عندما تتجاوز المصروفات المليار وسبعمائة مليون دينار ليبي خلال أقل من عام، دون أن يظهر لها أثر يُذكر، يصبح السؤال عن جدوى الإنفاق أكثر إلحاحًا. هذا هو حال وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حيث تضع التقارير الرسمية أرقامًا مذهلة عن حجم الإنفاق، لكن الواقع يعكس عجزًا فاضحًا عن توفير أبسط حقوق السجناء وضمان كرامتهم الإنسانية.
داخل أروقة السجون الليبية، تتبدد الوعود الحكومية كضوء يتلاشى في عتمة الزنازين. مؤسسات الإصلاح والتأهيل المنتشرة في مدن ليبيا، من طرابلس إلى سبها، تعاني من تهالك البنية التحتية وانتشار الأمراض المعدية. حالات وفاة بسبب غياب الرعاية الصحية، أمراض مثل الدرن والحرب، ونقص التغذية، كلها شواهد صارخة على إهمال مزمن، رغم الإنفاق الحكومي الهائل.
“مصروفات وزارة العدل بحكومة الدبيبة تجاوزت مليار دينار، لكن السجون تئن من الإهمال وسوء الخدمات، مع انتشار الأمراض وانعدام الرعاية الصحية للسجناء.”
بحسب تقرير مصرف ليبيا المركزي، بلغت مصروفات وزارة العدل 1,748,539,358 دينارًا خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2024. هذه الأرقام، وإن بدت كفيلة بإحداث ثورة في البنية التحتية والخدمات، فإنها لم تنعكس بأي شكل على تحسين أوضاع السجون.
منذ إعلان وزارة العدل عن نيتها إطلاق استراتيجية وطنية لحماية حقوق الإنسان، لم تتضح أي تفاصيل حول هذه الخطة. غياب الشفافية وإقصاء أصحاب المصلحة من الضحايا والمؤسسات الحقوقية يجعل هذه الاستراتيجية مجرد حبر على ورق.
في حين تصرف المليارات على وزارة العدل، تعاني السجون من غياب المرافق التعليمية والثقافية، مما يجعل الحديث عن إعادة التأهيل الاجتماعي للسجناء ضربًا من الخيال.
الإهمال في مؤسسات الإصلاح لا يتوقف عند السجناء فقط؛ بل يمتد ليؤثر على المجتمع بأسره. إعادة التأهيل ليست رفاهية، بل ضرورة لتقليل معدلات الجريمة وضمان اندماج السجناء في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
بينما تتباهى الحكومة بمؤشرات إنفاقها، تتزايد التساؤلات حول مصير هذه الأموال. هل ستبقى السجون الليبية مجرد زنازين بلا حياة؟ أم سيشهد هذا الملف تحولاً جذريًا ينصف السجناء والموقوفين ويعيد إليهم حقوقهم المسلوبة؟