في عالم السياسة المتشابك، حيث تتقاطع المصالح وتتباين الرؤى، لا تزال الأزمة الليبية محور اهتمام إقليمي ودولي. جاء اجتماع بوزنيقة الأخير ليعيد الأمل في حلحلة هذا الملف المعقد، إذ شكلت مخرجاته خارطة طريق واضحة لتوحيد السلطة التنفيذية تمهيدًا لإجراء الانتخابات المنتظرة.
رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة، سعيد ونيس، عبّر في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” عن تفاؤله الكبير بهذه المخرجات، معتبرًا أنها تلبي احتياجات المرحلة المقبلة. هذه التفاهمات، التي تأتي متوازية مع خارطة الطريق التي تقودها بعثة الأمم المتحدة بقيادة ستيفاني خوري، أثارت اهتمام المراقبين حول إمكانية تحقيق اختراق فعلي يعيد الاستقرار إلى ليبيا بعد سنوات من الصراع.
رغم التفاؤل، فإن هذا التوافق لم يسلم من الانتقادات. محمد تكالة، الذي ينازع خالد المشري في رئاسة المجلس الأعلى للدولة، أبدى تحفظه على شرعية الوفد المشارك في بوزنيقة. ورغم أن ونيس اعتبر هذه الانتقادات “رأيًا سابقًا لأوانه”، فإنها تعكس الانقسامات العميقة داخل المؤسسات الليبية.
تكالة، الذي أبدى معارضته قبل إعلان المخرجات النهائية، قد يجد نفسه أمام موقف مختلف حال الاطلاع على تفاصيل هذه التفاهمات. ربما يشير هذا إلى إمكانية تقليص الفجوة بين الأطراف المتصارعة، بشرط وجود إرادة سياسية حقيقية.
تأتي جلسات الحوار السياسي الليبي على الأراضي المغربية لتؤكد دور المملكة المحايد والإيجابي. المغرب، الذي احتضن اتفاق الصخيرات سابقًا، يظهر مجددًا كوسيط يتمتع بثقة الأطراف الليبية، وهو ما اعتبره ونيس دليلًا على قبول الليبيين بالدور المغاربي في معالجة أزمتهم.
هذا الدور المغربي يعكس قدرة دول الجوار على تقديم حلول بعيدة عن التدخلات الدولية السلبية. ومع إعلان ليبيا دعمها لوحدة المملكة المغربية واستقرارها، يتضح مدى التقارب في الرؤى بين البلدين، ما يعزز فرص نجاح هذه الوساطة.
في سياق آخر، أشار ونيس إلى أهمية تفعيل الاتحاد المغاربي كإطار جامع يعزز التعاون بين دول المنطقة. هذا التصور يكتسب أهمية خاصة مع تصاعد التحديات الإقليمية التي تتطلب تنسيقًا مغاربيًا لإعادة ليبيا إلى مسارها الصحيح.
أحد أبرز القضايا المطروحة على الساحة الليبية هو تنظيم العمالة الأجنبية. ونيس أكد أن هذه الخطوات لا تستهدف أي جالية بعينها، مشيدًا بسلوك الجالية المغربية في ليبيا. الإصلاحات التشريعية التي تعكف عليها السلطات الليبية تهدف إلى حماية حقوق العمال وتحقيق التوازن في سوق العمل المحلي، مع الالتزام بالمعايير الدولية.
تظل مخرجات بوزنيقة خطوة هامة، لكنها ليست النهاية. نجاح هذه التفاهمات يعتمد على مدى قدرة الأطراف الليبية على تجاوز خلافاتها والعمل من أجل مصلحة البلاد. ومع وجود دعم إقليمي ودولي، قد تكون ليبيا على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية.
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال: هل تنجح ليبيا في تحويل هذه التفاهمات إلى واقع ملموس أم أنها ستظل حبرًا على ورق كغيرها من المبادرات السابقة؟ الإجابة، ربما، تكمن في إرادة الليبيين أنفسهم ومدى قدرتهم على استثمار هذا الزخم لتحقيق حلم السلام.