فوضى المسرح السياسي.. تحليل تصريحات عبدالمنعم اليسير
في تصريحاته الأخيرة، أطلق رئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر العام السابق، عبد المنعم اليسير، هجومًا لاذعًا على المشهد السياسي الراهن. اليسير لم يُخفِ امتعاضه من ما أسماه “مسرحية بوزنيقة”، مشيرًا إلى أنها ليست إلا تكرارًا للقاءات خارجية تُدار في إطارٍ من التصنع والمناورة السياسية، دون أن تحمل في طياتها أي نية جادة لحل الأزمة الليبية.
يرى اليسير في تصريحات تلفزيونية، تابعتها “أخبار ليبيا 24” أن اجتماعات مثل لقاء بوزنيقة ما هي إلا استعراض إعلامي يهدف لإيهام الشعب الليبي بوجود تقدم في الحوار السياسي، في حين أن الأطراف الليبية نفسها غير قادرة حتى على الاجتماع داخل أراضيها. وهو يشير إلى وجود فجوة بين ما يُعرض على الساحة الإعلامية وما يجري فعليًا وراء الكواليس، حيث تُدار المناورات السياسية وفقًا لمصالح ضيقة تخدم أطرافًا بعينها.
يقول اليسير: “يجب أن نتوقف عن تكرار نفس العملية والتي نحاول منها إنتاج أمر مختلف”. وبهذه الجملة يُلخص المأزق الليبي الراهن، حيث أصبحت نفس الوجوه والقوى تعيد تدوير الأزمات بدلًا من تقديم حلول جديدة.
سلط اليسير الضوء على حالة عبدالحميد الدبيبة، الذي وصفه بأنه مجرد “سلطة أمر واقع”. ويرى أن بقاءه في المشهد السياسي يعود بالكامل إلى القوى والجماعات المسلحة التي تتحكم بالعاصمة طرابلس. هذا الوضع لا يُعد استثناءً في المشهد الليبي؛ فمعظم الأطراف الفاعلة تفرض نفسها بقوة السلاح والتحالفات الدولية والإقليمية، مما يجعل فكرة التغيير السياسي شبه مستحيلة دون إعادة هيكلة جذرية للأوضاع.
واحدة من أبرز النقاط التي أثارها اليسير هي دور الأطراف الخارجية في إدارة الأزمة الليبية. يؤكد أن هذه الأطراف لا تتحرك بدافع altruism أو البحث عن حل للأزمة، بل إن كل خطوة تأتي بناءً على حسابات سياسية تخدم مصالحها الخاصة. هذا التدخل الخارجي يزيد من تعقيد المشهد الليبي، حيث تحولت البلاد إلى ساحة للصراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية متنافسة.
انتقد اليسير البعثة الأممية بشدة، معتبرًا أنها لم تُقدّم أي حلول حقيقية للأزمة الليبية. واعتبر أن تخليها عن المسار الدستوري واعترافها بالمؤتمر الوطني العام بعد انتخابات مجلس النواب كان بداية سلسلة من الأخطاء التي أدخلت البلاد في دوامة لا تنتهي.
وأضاف أن البعثة تدعم الأطراف التي تفرض نفسها كأمر واقع، بدلًا من أن تفرض أجندة تُمهد لاستقرار شامل. الحل وفقًا لليسير يكمن في فرض انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع، وهو ما سيعيد الشرعية إلى المؤسسات الليبية.
على الصعيد الداخلي، أشار اليسير إلى أن معظم الفاعلين السياسيين يتلاعبون بمصير البلاد لتحقيق مكاسب شخصية. وقال: “لو كانوا يريدون الحل لتنازل كل منهم عن حقه في التواجد، مقابل الاتفاق على مستقبل الوطن”. هذه العبارة تلقي الضوء على الانقسام الحاد في المشهد الليبي، حيث أصبحت المصالح الشخصية والصراعات على المناصب فوق كل اعتبار.
أمام هذا المشهد المتشابك، يشدد اليسير على ضرورة العودة إلى الشعب الليبي كحكم نهائي في تحديد مستقبل البلاد. وهو يرى أن الانتخابات الشاملة تمثل الحل الوحيد القادر على كسر هذه الحلقة المفرغة.
إن ما يجري اليوم في ليبيا، بحسب اليسير، ليس سوى تلاعب بمصير أمة بأكملها، حيث تبيع بعض الأطراف مصلحة الشعب الليبي ومستقبله مقابل تحقيق مصالح ضيقة.
تصريحات عبدالمنعم اليسير تعكس إحباطًا عميقًا من حالة الجمود السياسي التي تعيشها ليبيا. إنها دعوة صريحة لإعادة ترتيب الأولويات وإعادة السلطة للشعب الليبي عبر انتخابات نزيهة وشاملة. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمتلك الشعب الليبي القدرة على كسر قبضة الأمر الواقع التي فرضتها قوى الداخل والخارج؟