شهدت العلاقات الليبيةـ الجزائرية تطورًا جديدًا ومهمًا بعد توقيع اتفاقية مشتركة بين إدارتي الجمارك في البلدين، تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التجارة ومكافحة الغش والتهريب، مع تركيز خاص على تسهيل حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود. يأتي هذا الاتفاق في وقت تسعى فيه الدولتان إلى ترسيخ شراكة استراتيجية تعزز استقرارهما الاقتصادي والاجتماعي، وتفتح آفاقًا جديدة لتحقيق التكامل الإقليمي.
يبلغ طول الشريط الحدودي بين ليبيا والجزائر نحو 900 كيلومتر، وهو شريط يشكل في الوقت ذاته تحديًا أمنيًا وفرصة اقتصادية. الاتفاق الموقع بين المدير العام للجمارك الليبية اللواء موسى علي محمد، ونظيره الجزائري اللواء عبد الحفيظ بخوش، يضع أسسًا لتنسيق غير مسبوق في تنظيم وتنمية المعابر الحدودية، مع التركيز على مكافحة الممارسات غير المشروعة.
أشار اللواء بخوش إلى أن “الاتفاق يتضمن تدابير تسهل انسيابية حركة البضائع والمسافرين، وتحد من العوائق التي تعرقل التجارة المشروعة”.
على الرغم من التحديات الأمنية الكبيرة التي شهدتها المنطقة، يشكل التعاون الجمركي الجديد خطوة أساسية لمكافحة الغش التجاري والتهريب، بما في ذلك تهريب الوقود والمخدرات. أوضح اللواء موسى علي محمد أن “حماية شعبي البلدين تتطلب تكاتف الجهود، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني”، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يمثل استجابة عملية للتحديات الراهنة.
في إطار تعزيز التعاون، تم الاتفاق على إعادة تفعيل اتفاقية المساعدة الإدارية المتبادلة المبرمة عام 1989، والتي كانت قد أُهملت لسنوات بسبب الظروف السياسية والأمنية. الاتفاقية تعكس رغبة الجانبين في الاستفادة من التجارب السابقة لبناء آليات مستدامة للتعاون.
يعد معبر الدبداب-غدامس البري أحد أبرز النقاط الحدودية التي تسهم في دفع عجلة التجارة بين البلدين. بعد إعادة فتحه في ديسمبر 2023، شهد المعبر حركة متزايدة للبضائع، خصوصًا من الجانب الجزائري، حيث بات نقل السلع مباشرًا بدلاً من المرور عبر تونس. هذه الديناميكية الجديدة شجعت الجزائر على تنظيم معرض للإنتاج الجزائري الموجه إلى السوق الليبية، خطوة تحمل في طياتها تطلعات لرفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين إلى 3 مليارات دولار خلال السنوات القادمة.
من المتوقع أن يسهم التعاون الجديد في تعزيز الصادرات الجزائرية غير النفطية، التي تُعد هدفًا استراتيجيًا للحكومة الجزائرية في تنويع اقتصادها. بالنسبة لليبيا، يمثل الاتفاق فرصة لإعادة بناء شبكاتها التجارية الخارجية التي تضررت بسبب الأزمات السياسية والأمنية.
رغم التفاؤل، لا تزال هناك تحديات كبيرة، أبرزها تأمين الحدود الطويلة بين البلدين ومواجهة العصابات الإجرامية التي تنشط في التهريب. لكن الاتفاق يمثل بداية واعدة لإيجاد حلول مستدامة تعزز الاستقرار.
الاتفاق الجمركي الجزائري-الليبي لا يمثل فقط خطوة اقتصادية، بل يعكس أيضًا رغبة البلدين في ترسيخ شراكة استراتيجية تستند إلى المصالح المشتركة. هذه الخطوة تُعد بداية نحو تحقيق تكامل اقتصادي شامل يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة، ويعيد رسم مستقبل جديد للعلاقات الجزائرية-الليبية.