عودة محمد عون.. أزمة القضاء والنفط في ليبيا
في مشهد يعكس تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي، وجد قطاع النفط نفسه في قلب عاصفة جديدة إثر قرار المحكمة العليا برفض استشكال حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية ضد قرار إعادة محمد عون، وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، إلى منصبه. قرار المحكمة، يحمل في طياته أبعادًا تتجاوز الإطار القانوني إلى فضاء السياسة والاقتصاد، حيث يبرز دور القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية، ومطالبته بالانصياع لأحكام القانون.
قرار المحكمة العليا، الذي صدر في 25 ديسمبر 2024، يعيد للأذهان تاريخ المؤسسة القضائية الليبية التي تأسست منذ أكثر من سبعة عقود. وفي ظل الانقسامات السياسية الراهنة، تبدو أحكام القضاء محاولات مستميتة للحفاظ على تماسك الدولة، بعيدًا عن عبث الأطراف المتنازعة.
عون، الذي استعاد منصبه بموجب حكم محكمة استئناف طرابلس الصادر في أغسطس الماضي، بات رمزًا لمواجهة السلطة التنفيذية التي يتزعمها الدبيبة. فإصرار الأخير على عدم تنفيذ الأحكام القضائية يطرح تساؤلات حول التزام الحكومات الانتقالية في ليبيا بمبادئ سيادة القانون واحترام استقلالية القضاء.
في بيانه الأخير، وجه محمد عون رسائل واضحة لمنظمات النفط والطاقة الدولية، مثل أوبك وأوابك، مطالبًا إياها بالتعامل مع الوزراء الشرعيين. هذه الدعوة لم تكن مجرد تأكيد على شرعيته، بل محاولة لتثبيت موقع ليبيا كلاعب أساسي في خارطة النفط العالمية، وسط منافسة شرسة في سوق الطاقة.
كما لم يتوانَ عون عن مطالبة الشركاء الأجانب باحترام الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الليبية، محذرًا من استغلال الأزمات التي تمر بها البلاد لتحقيق مصالح ضيقة. هذه التصريحات تعكس إدراكه العميق لتعقيدات العلاقة بين الدولة الليبية وشركائها الدوليين، والتي تتأرجح بين الحاجة الاقتصادية وضغوط السيادة الوطنية.
رغم التوترات السياسية، حقق قطاع النفط الليبي إنجازات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، حيث تمكن من رفع معدلات الإنتاج إلى مستويات قياسية بلغت 1.4 مليون برميل يوميًا. هذه الزيادة جاءت نتيجة لجهود المؤسسة الوطنية للنفط، التي اعتمدت إستراتيجية طموحة تهدف إلى رفع طاقة الإنتاج إلى 2 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027.
لكن هذه الإنجازات تواجه تحديات كبيرة في ظل الصراعات الداخلية التي تهدد استقرار القطاع. فوجود وزيرين يدّعيان الشرعية داخل الوزارة، أحدهما مدعوم بحكم قضائي والآخر مكلف بقرار سياسي، يمثل عامل ضغط على الشركات الأجنبية، التي قد تجد نفسها مضطرة للانسحاب أو تجميد أنشطتها.
أزمة وزارة النفط ليست مجرد صراع بين الدبيبة وعون، بل هي انعكاس للأزمة السياسية الأوسع التي تعيشها ليبيا. فالدبيبة، الذي يواجه انتقادات واسعة لعدم التزامه بالأحكام القضائية، يجد نفسه في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، الذي يراقب عن كثب قدرة الحكومة على احترام القانون وضمان استقرار المؤسسات.
من ناحية أخرى، يمثل عون وجهًا آخر للأزمة، حيث يُنظر إليه كرمز للمقاومة القانونية في وجه تعسف السلطة التنفيذية. موقفه يسلط الضوء على أهمية القضاء كعامل توازن في بلد مزقته النزاعات، لكنه يفتح أيضًا الباب أمام تساؤلات حول قدرة ليبيا على جذب الاستثمارات في ظل غياب الاستقرار السياسي والقانوني.
مع اقتراب العام الجديد، يبدو أن أزمة وزارة النفط ستظل محورية في المشهد الليبي. فاستمرار النزاع بين الأطراف المتنازعة قد يؤدي إلى تعطيل الجهود الرامية لزيادة الإنتاج وتحقيق الاستقرار في قطاع حيوي يمثل شريان الحياة للاقتصاد الليبي.
في النهاية، تبقى الكرة في ملعب السلطة التنفيذية، التي تتحمل مسؤولية اتخاذ خطوات جادة لحل الأزمة، بدءًا من احترام الأحكام القضائية وانتهاءً بوضع خطط واضحة لتحقيق الاستقرار في القطاع النفطي. وبينما يأمل الليبيون في رؤية حكومة قادرة على تجاوز الخلافات وتحقيق مصالح الوطن، يبقى التساؤل قائمًا: هل ستكون عودة محمد عون نقطة تحول نحو استقرار قطاع النفط، أم بداية فصل جديد من الأزمات؟