من بين مدن ليبيا التي حملت عبء الألم وصور المعاناة، تبرز مدينة درنة، كعنوان يختزل حكايات وطنٍ بأسره. خالد الترجمان، رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية، ألقى الضوء على رمزية درنة ودورها المرتقب كجسر يوصل الليبيين نحو ميثاق وطني جديد.
في حديثه خلال تغطية خاصة، أشار الترجمان إلى أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان من المفترض إجراؤها عام 2021 لم تكن سوى لحظة فاصلة أكدت عمق الانقسام السياسي في ليبيا. فترشح عبد الحميد الدبيبة، رغم تعهده بعدم الترشح، ودور المليشيات في عرقلة العملية الانتخابية، كانت عوامل مؤثرة أضافت مزيدًا من التعقيد على المشهد السياسي.
التصريحات التي أطلقتها المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز حول دور القوى الدولية في إجهاض العملية الانتخابية كانت بمثابة مرآة عكست مدى تورط اللاعبين الدوليين في الشأن الليبي، مما أثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق انتخابات نزيهة في المستقبل القريب.
خالد الترجمان يدعو للاستفادة من رمزية درنة لتحقيق الوحدة الوطنية، مطالبًا بالبدء في إعمار المناطق المحررة كنموذج لإعادة بناء ليبيا بعيدًا عن الفساد.
اجتماع مجلس النواب في مدينة درنة كان حدثًا لافتًا، حيث حاول استغلال رمزية المدينة كمركز للمصالحة الوطنية. الترجمان أثنى على هذه الخطوة، لكنه حذر من التركيز على الشعارات دون معالجة جذور الأزمات، داعيًا إلى اتخاذ تدابير عملية تشمل مكافحة الفساد، وتعديل القوانين المتعلقة بغسل الأموال، وإنشاء هيئة للطوارئ تستطيع التعامل مع الأزمات المستقبلية.
من بين النقاط التي ركز عليها الترجمان هي دعوته للقيادة العامة ومجلس النواب إلى اتخاذ قرارات شجاعة للبدء في إعمار المناطق المحررة، التي تمثل أكثر من 78% من مساحة ليبيا. هذا النهج، كما يرى الترجمان، يمكن أن يقدم نموذجًا جديدًا لإعادة بناء الدولة الليبية بعيدًا عن الفساد والصراعات التي تشلّ طرابلس، حيث تسيطر المليشيات.
أوضح الترجمان أن نجاح مشاريع الإعمار في المناطق المحررة لن يكون مجرد إنجاز مادي، بل سيكون رسالة أمل تجمع الليبيين حول رؤية مشتركة لمستقبل مشرق.
ورغم تطلعات البعض في غرب ليبيا لعودة القوات المسلحة، يرى الترجمان أن الأولوية الحالية يجب أن تكون للإعمار والتنمية، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه القيادة العامة. هذه الخطوة، كما يرى، ستعزز من الثقة الشعبية وتجذب الدعم الدولي لبناء ليبيا جديدة قائمة على الاستقرار والتنمية المستدامة.
رفض الترجمان مصطلح “حل ليبي-ليبي” في إشارة إلى أنه لا يمكن تجاهل الأطراف المختلفة في المشهد السياسي الليبي. لكنه أكد أن الحل يكمن في مصالحة شاملة تعيد بناء الثقة بين الشرق والغرب والجنوب، بعيدًا عن المليشيات والتدخلات الخارجية.
درنة، بآلامها وآمالها، تقف اليوم كمنارة للسلام والمصالحة، لكن هذا يتطلب شجاعة سياسية ورؤية بعيدة المدى تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.