هدوء هش يواجه العاصفة.. ليبيا بين الترقب والاستقرار المهدد
تتلاعب رياح السياسة بموازين الاستقرار في ليبيا، حيث بات اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في أكتوبر 2020 محوراً لتجاذبات داخلية وخارجية. وبينما يعبّر الليبيون عن قلقهم من انهيار هذا الاتفاق الذي حمى البلاد من غياهب الحرب لسنوات، تتعالى أصوات السياسيين والخبراء لتؤكد أن القوى المسلحة الكبرى لن تُقدم على خطوة تزعزع هذا التوازن الهش، مدفوعة بتوافق المصالح الإقليمية والدولية التي تسعى لضمان استمرار الهدنة في هذا البلد الذي يمثل شرياناً اقتصادياً حيوياً للمنطقة.
غير أن الهدوء الظاهري يُخفي تحركات تتسم بالغموض والتوتر. فقد وصف طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، خطوة عملية الزاوية التي تقودها الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بأنها ليست سوى محاولة استباقية لإفشال مبادرة الأمم المتحدة، التي تهدف إلى إنهاء حالة الجمود السياسي وتشكيل حكومة موحدة قادرة على دفع عجلة الاستقرار.
يعتقد الميهوب في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن حكومة الدبيبة، التي تعيش على إيقاع توازنات هشة، تحاول إيهام الداخل والخارج بوجود صراع على الأرض. ويؤكد: “لا يوجد شيء من ذلك، وإنما هو صراع وهمي صُنع ليغطي على التحركات الدولية لإنقاذ البلاد من الانقسام السياسي”.
رغم هذه الاتهامات، يستمر الدبيبة في التأكيد على شرعية تحركات حكومته وضرورتها. لكن آمر منطقة الساحل الغربي العسكرية، الفريق صلاح النمروش، نفى وجود أي أهداف سياسية خفية وراء عملية الزاوية، مما يضيف مزيداً من الغموض حول الغاية الحقيقية من تلك العملية.
على الجانب الآخر، يرى الخبراء أن الحفاظ على الهدنة يخدم مصالح القوى الكبرى. فالقوى الإقليمية والدولية تدرك جيداً أن انفلات الوضع الأمني في ليبيا سيشكل تهديداً مباشراً لمصالحها، سواء الاقتصادية أو السياسية. لذا، تلتزم هذه الأطراف بممارسة ضغوط على كافة القوى الليبية لمنع انهيار الاتفاق.
أما على المستوى الشعبي، فقد أنهكت سنوات الحرب الليبيين، الذين أصبحوا ينظرون إلى أي محاولة لإحياء شبح الصراع بعين القلق والرفض. فالمواطن الليبي يئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والانقسامات السياسية، وهو لا يريد سوى حياة كريمة واستقرار بعيداً عن المعارك التي لا طائل منها.
مع استمرار التحركات المتناقضة بين مختلف الأطراف، تواجه مبادرة الأمم المتحدة تحديات كبرى. فالجمود السياسي المستمر وتعقيدات المشهد الليبي يضعان العراقيل أمام أي محاولة لتوحيد المؤسسات وتجاوز الانقسامات الراهنة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأكبر: هل تصمد الهدنة التي حافظت على استقرار نسبي في ليبيا؟ أم أن الأطراف المتصارعة ستسمح لرياح المصالح أن تعصف بالسفينة الليبية؟
من الواضح أن التوافق الدولي والإقليمي سيظل العامل الحاسم في المرحلة المقبلة، لكن يبقى على الليبيين أنفسهم أن يدركوا أن وحدتهم واستقرارهم الداخلي هما المفتاح الوحيد لتجاوز الأزمات والعودة إلى طريق التنمية.