يُطل الفساد على المشهد الليبي كوحش كاسر، تتشابك أذرعه في شتى القطاعات، مُجهضاً أي محاولة لبناء الدولة المنشودة. في ظل هذا الواقع المرير، أكد المحلل السياسي إدريس أحميد أن الفساد لم يعد مجرد انحراف سلوكي في بعض المؤسسات، بل تحول إلى أزمة وجودية تعصف بليبيا، وتُهدد بنيانها السياسي والاجتماعي.
يُشير أحميد في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” إلى أن الفساد الذي نخر جسد ليبيا بعد عام 2011 ليس وليد اللحظة، لكنه بلغ مستويات غير مسبوقة، تجاوزت في عمقها وأثرها كل ما عرفته البلاد على مدى العقود الماضية. فأشكال الفساد تتنوع بين أخلاقي ومؤسسي، وتتعاظم يوماً بعد يوم، ما يعطل جهود التحول إلى نظام دستوري يقوم على الشفافية والمساءلة.
“الفساد في ليبيا يُمارس في وضح النهار وأمام أنظار الجميع”، هكذا وصف أحميد المشهد الراهن. وسائل الإعلام تكشف تفاصيل مثيرة عن حجم الأموال المهدورة والقرارات العشوائية، بينما المواطن الليبي يعيش في حالة إحباط دائم بسبب غياب أي دور رقابي فعّال. مؤسسات الدولة تبدو وكأنها مجرد هياكل خاوية، في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد.
أحد أكثر الأمور إثارة للقلق، بحسب احميد، هو استخدام الفساد كأداة لتحقيق مصالح شخصية. شخصيات معينة تستغل مواقعها لتحقيق مكاسب على حساب المصلحة العامة، بينما تُهمش الكفاءات وتُقصى الشخصيات المؤهلة، ما يُعمق الأزمة.
في حديثه عن تداعيات الفساد، أكد احميد أن إهدار الأموال العامة يمثل أبرز عوائق التنمية. فالمليارات التي تضيع في صفقات مشبوهة كان يمكن توجيهها نحو خلق فرص عمل أو دعم مشاريع اقتصادية تسهم في تحسين معيشة المواطن. بدلاً من ذلك، يستمر نزيف الأموال، تاركاً المواطن في مواجهة الغلاء وانعدام الخدمات الأساسية.
يرى أحميد أن الحل يكمن في معالجة جذرية وشاملة للأزمة. الإصلاح السياسي هو حجر الزاوية، ويشمل إعادة بناء المؤسسات الرقابية والقضائية على أسس استقلالية، بالإضافة إلى تفعيل دور الشارع الليبي في الضغط من أجل التغيير.
وأشار إلى أن مكتب النائب العام يُعد من المؤسسات القليلة التي تبذل جهوداً في محاربة الفساد، لكنه يواجه تحديات ضخمة تفوق قدرته على التصدي. لذلك، فإن إصلاح المؤسسات الأخرى، وخاصة هيئة مكافحة الفساد، يُعد أمراً ملحاً.
أوضح أحميد أن المحاسبة الفعلية للمسؤولين الذين تولوا مناصب الدولة هي خطوة أساسية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. الشبهات التي تحيط ببعض الشخصيات تتطلب تحقيقات جادة وشفافة، وإلا ستبقى ليبيا غارقة في دائرة لا تنتهي من الفساد والتراجع.
اختتم أحميد حديثه بتأكيد أن القضاء على الفساد يُعد شرطاً لا غنى عنه لبناء ليبيا الجديدة. فقط من خلال إصلاحات شاملة، تعتمد على الشفافية والعدالة، يمكن إعادة البلاد إلى مسار التنمية والاستقرار، ووضع حد للمعاناة التي يعيشها المواطن الليبي.
الفساد في ليبيا ليس قدراً محتوماً، لكنه تحدٍّ يتطلب إرادة جماعية وعملاً دؤوباً للخروج من الظلام إلى النور.