في مشهد سياسي يبدو كأنه خُط على صفحات من عدم التوافق، يخرج علي السعيدي، وزير الاستثمار في الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد، بتصريحات شديدة الوضوح، لكنها أكثر قسوة في توصيفها للوضع الراهن. يعكس السعيدي في كلماته إحباطاً يشارك فيه غالبية الشعب الليبي، الذين ما زالوا عالقين بين أطماع القوى العالمية وخلافات الداخل.
في خضم هذا التناحر الدولي، لا يبدو أن القوى العالمية قادرة على التوصل إلى رؤية مشتركة لحل الأزمة الليبية. وفي تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، وصف السعيدي التفاعل الدولي مع الأزمة بأنه “مدمر”. لكن ماذا يعني هذا التفاعل المدمر في سياق سياسي متشابك؟
إنه يعني ببساطة أن الخلافات بين القوى العظمى ليست مجرد عائق أمام الحلول، بل هي جزء من المشكلة ذاتها. كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، تاركاً ليبيا لتدور في دوامة من الانقسام السياسي والاقتصادي، فيما يدفع المواطن البسيط ثمن هذا العجز الدولي.
لكن إذا كان العالم متنازعاً حول ليبيا، فماذا عن الليبيين أنفسهم؟ يشير السعيدي بوضوح إلى أن المجلس الأعلى للدولة يعاني من غياب الاتفاق داخله، ما يُبعد الصورة عن أي توافق بين المجلسين (البرلمان والمجلس الأعلى).
تلك الانقسامات الداخلية، رغم صغر حجمها مقارنة بالخلافات الدولية، تُعدّ أكثر خطورة، لأنها تخلق بيئة سياسية غير مستقرة، تجعل أي حديث عن تشكيل حكومة موحدة ضرباً من الخيال.
التحديات التي تواجه ليبيا لا تقتصر على الخلافات السياسية وحدها، بل تمتد إلى ملفات اقتصادية واجتماعية معقدة. غياب حكومة موحدة يعني استمرار الانقسام في المؤسسات السيادية، ومن ثم تفاقم الأزمات المعيشية والخدمية. وفي ظل هذا الوضع، يجد المواطن الليبي نفسه مُحاصراً بأزمات الكهرباء، والانهيار الاقتصادي، وضعف الخدمات الأساسية.
من اللافت في تصريحات السعيدي أنها لا تحمل أي إشارات إلى أفق قريب للحل. وصفه للوضع بأنه “بعيد كل البعد عن أي اتفاق” يعكس واقعاً قاتماً، حيث لا تبدو هناك إرادة حقيقية من الأطراف المحلية أو الدولية لتجاوز هذه الأزمات.
ربما يكمن جزء من الحل في تغيير طريقة التفكير الدولية تجاه ليبيا، والتعامل معها كدولة ذات سيادة، وليست مجرد ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية.
في ختام تصريحاته، وجه السعيدي رسائل ضمنية إلى المجتمع الدولي، تدعو إلى تحمل المسؤولية، والتوقف عن دعم الانقسامات بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه الرسائل، رغم صراحتها، تُعد بمثابة تحذير من استمرار الوضع الراهن، الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأمنية والسياسية في المنطقة بأسرها.
الأزمة الليبية، التي دخلت عامها الثاني عشر، أصبحت مثالاً حيّاً على عجز النظام الدولي عن التعامل مع صراعات العصر الحديث. تصريحات علي السعيدي، رغم قسوتها، تعكس جزءاً من الحقيقة المُرّة التي تواجهها ليبيا، وهي أن الحل يبدأ من الداخل، لكنه لن يتحقق دون إرادة دولية جادة.
الليبيون ينتظرون، ليس فقط حكومة موحدة، بل عالماً يتعامل مع أزمتهم بضمير حي، بعيداً عن المصالح الضيقة.