وسط حالة من الترقب في السوق الليبية، يبرز تساؤل ملح حول أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار رغم الاستقرار النسبي الذي تشهده البلاد على عدة أصعدة. عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سابقًا، مصباح العكاري، يضع النقاط على الحروف في منشور تحليلي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي“فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24″، موضحًا أنه لا يرى مبررات حقيقية لارتفاع سعر صرف الدولار في هذه الفترة.
وفقًا للعكاري، ارتفاع العملة الأجنبية عادة ما يرتبط بظروف محددة: انخفاض العرض النقدي الأجنبي، تعقيد الإجراءات للحصول على العملات الأجنبية، أو اضطرابات سياسية واقتصادية تشمل إغلاق الحقول النفطية. ومع ذلك، يشير العكاري إلى أن ليبيا اليوم ليست في مواجهة هذه المعطيات؛ الاحتياطيات النقدية قوية، والإنتاج النفطي في تصاعد، وأسعار النفط العالمية مستقرة عند مستويات مشجعة.
العكاري يؤكد أن مصرف ليبيا المركزي لديه الأدوات اللازمة للتدخل السريع وضبط سعر الصرف. يوضح أن البنوك المركزية عادة ما تلجأ إلى شراء عملتها المحلية ببيع احتياطياتها الأجنبية عندما يضعف سعر الصرف. وفي الحالة الليبية، تبلغ الاحتياطيات الأجنبية أكثر من 80 مليار دولار، أي ما يعادل 455 مليار دينار ليبي.
لكن السؤال الذي يطرحه العكاري هو: هل يتم استغلال هذه الأدوات بشكل كامل؟ الجواب يبدو معقدًا، خصوصًا مع غياب أدوات نقدية أساسية مثل سعر الفائدة، الذي يُستخدم عالميًا لامتصاص السيولة النقدية والحد من الطلب على العملات الأجنبية.
يتناول العكاري قرار البنك المركزي الجديد بتطبيق نظام المضاربة المطلقة، والذي يُتوقع أن يلعب دورًا محوريًا في تخفيف الضغط على الاحتياطيات النقدية. الفكرة تعتمد على استثمار الفوائض النقدية لدى البنوك التجارية في مشاريع اقتصادية، مما يقلل من السيولة الزائدة ويخفف الطلب على العملات الأجنبية.
إلى جانب ذلك، يشير العكاري إلى قرارات أخرى مرتقبة، مثل تحسين استخدام الدفع الإلكتروني وتقليص الاعتماد على النقد في صرف الرواتب. هذه الإجراءات، وفقًا لتحليله، يمكن أن تقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية وتعيد التوازن إلى السوق.
في ظل استقرار أسعار النفط عند مستويات تقارب 80 دولارًا للبرميل وزيادة الإنتاج النفطي، يبدو أن الاقتصاد الليبي لديه فرصة لتعزيز إيراداته من النقد الأجنبي. هذا، إلى جانب التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وحركة الإعمار، يعزز من قدرة البلاد على مواجهة أي تقلبات محتملة في السوق.
في ختام منشوره، يطرح العكاري سؤالًا يتردد في أذهان الجميع: هل يستمر الدولار في الارتفاع؟ إجابته كانت واضحة وصريحة: “لا أعتقد ذلك.” ومع ذلك، يشير إلى أن تحقيق الاستقرار الكامل يتطلب تنفيذ الإصلاحات المنتظرة بسرعة وفعالية، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في عمل المصرف المركزي.
إذا تمكن البنك المركزي من تنفيذ خططه وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، فقد نشهد قريبًا تحسنًا ملحوظًا في سعر صرف الدينار الليبي. ولكن، يبقى التحدي الأكبر هو التغلب على العقبات الهيكلية في النظام المالي، وضمان استدامة القرارات الاقتصادية على المدى الطويل.
