خطوة نقدية جديدة في ليبيا.. بين التحديات الاقتصادية والآمال
في خطوة يُنظر إليها كإجراء جديد لمعالجة أزمة السيولة المتفاقمة في ليبيا، أعلن مصرف ليبيا المركزي طرح عملات نقدية جديدة من فئات 5 دنانير، 10 دنانير، و20 دينارًا، بدايةً من الأسبوع المقبل. تحمل العملات الجديدة توقيع المحافظ الجديد للمصرف، ناجي محمد عيسى، الذي تولى مهامه في أكتوبر 2024 خلفًا للصديق الكبير. كما تحمل الأوراق النقدية صورة المناضل الليبي عمر المختار، الرمز الوطني الذي يعكس تاريخ الكفاح ضد الاستعمار الإيطالي، إلى جانب معالم تاريخية تعكس هوية البلاد.
وفقًا لبيان ال مصرف ليبيا المركزي الصادر يوم الاثنين، تم التأكيد على أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة أوسع لتجديد الأوراق النقدية الليبية بما يتماشى مع المعايير الدولية. وذكر البيان أنه سيتم قريبًا نشر فيديو توضيحي للخصائص التأمينية الجديدة التي تتمتع بها العملات، والتي تهدف إلى تعزيز الثقة وتقليل احتمالية التزوير.
وعلى الرغم من الإعلان عن طرح العملات الجديدة، أشار المصرف إلى وجود فئات أخرى قيد الطباعة سيتم الإعلان عنها لاحقًا. يأتي هذا في سياق اجتماع عقده المحافظ مع الرئيس التنفيذي لشركة “دي لا رو” البريطانية، المتخصصة في طباعة العملات، لبحث تنفيذ ملاحق العقود السابقة وجدول مواعيد تسليم الشحنات. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي العقود يبلغ 30 مليار دينار ليبي (6.25 مليار دولار).
رغم الثروة النفطية الهائلة التي تمتلكها ليبيا، لا تزال أزمة السيولة تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطني. فمنذ عام 2011، يعاني المواطنون من صعوبة الحصول على رواتبهم ونقودهم، ما اضطرهم إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام البنوك. وتفاقمت الأزمة نتيجة الانقسامات السياسية والانفلات الأمني الذي أعاق قدرة المصرف المركزي على توحيد السياسات المالية.
الخطوة الحالية لإصدار العملات الجديدة قد تكون جزءًا من محاولة لإعادة هيكلة النظام النقدي وتحفيز حركة الاقتصاد، ولكنها لا تزال تواجه العديد من التحديات. من أبرزها ضعف الثقة الشعبية في المؤسسات المالية، والتحديات المرتبطة بتهريب العملة واستخدام السوق السوداء، والتي تتسبب في إضعاف القيمة الحقيقية للدينار الليبي.
مع تولي ناجي محمد عيسى منصب المحافظ، ظهرت توقعات بحدوث تغييرات إيجابية في سياسات المصرف المركزي. يمثل هذا الإصدار الجديد للعملة أول اختبار عملي لعيسى أمام الرأي العام، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجه البلاد.
ويُشار إلى أن الإيرادات المالية للمصرف بلغت نحو 17 مليار دولار في عام 2024، وهو ما يمكن أن يوفر دعمًا للإجراءات الاقتصادية الجديدة. ومع ذلك، فإن نجاح الخطوة يعتمد بشكل كبير على الاستقرار السياسي وتفعيل منظومة الإصلاح الاقتصادي بشكل شامل.
يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن هذه الإجراءات النقدية من التخفيف من وطأة أزمة السيولة وتحسين حياة المواطن الليبي؟ أم أنها ستُضاف إلى سلسلة من المحاولات التي فشلت في مواجهة التحديات المتفاقمة؟
في نهاية المطاف، تُعد هذه الخطوة بمثابة بداية جديدة، لكنها ليست كافية بمفردها لحل الأزمة العميقة التي تعاني منها ليبيا. وحده التعاون بين المؤسسات المالية والحكومة، مدعومًا باستقرار سياسي وأمني، يمكن أن يمهد الطريق أمام تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي ومستدام.