في مشهد سياسي واقتصادي يطغى عليه التوتر والانقسام، ألقى النائب العام الليبي حجرًا آخر في مياه راكدة بانتقاده الحاد لآلية مقايضة النفط الخام بالمحروقات. هذا الأسلوب، الذي كان يُفترض أن يُعزز الاستقرار الطاقوي في البلاد، بات اليوم موضع تساؤل وقلق نتيجة لانعكاساته السلبية على المال العام وأهداف الاقتصاد الوطني.
في بيئة تُعاني من شُح الإيرادات وضعف البنية التحتية الاقتصادية، لجأت الشركة الوطنية للنفط إلى آلية مقايضة النفط الخام بالمحروقات كبديل سريع للتوريد التقليدي. لكنّ هذه الخطوة، التي بدت مبررة في ظل ظروف استثنائية، أصبحت لاحقًا عقبة أمام تحقيق العدالة الاقتصادية. كشف النائب العام أن الإدارة الحالية اعتمدت بشكل غير منظم على هذه المقايضة، وهو ما أدى إلى خلق فجوة بين الأهداف العامة والنتائج الملموسة.
من بين أبرز القضايا التي تناولتها تصريحات النائب العام، كانت الآثار المترتبة على تنامي نشاط الجماعات المتورطة في تهريب المحروقات. هذه الجماعات، التي تجد في السوق السوداء فرصة ذهبية، استفادت من غياب الرقابة المحكمة على عملية التوريد. وأشار النائب العام إلى أن غياب العقود الزمنية المنظمة، التي تتيح فحص العمليات بشكل دقيق، سمح لهذه الأنشطة بالازدهار.
من منظور النائب العام، الشفافية ليست مجرد مطلب قانوني بل ضرورة اقتصادية تُمكّن الجهات الرقابية من فحص الإنفاق الحكومي وضمان صيانة المال العام. استحداث آلية تعاقد جديدة يعزز هذه الشفافية، ويحد من الآثار السلبية التي نجمت عن الاعتماد المفرط على أسلوب المقايضة.
لم تسلم العقود الفورية لتوريد المحروقات من النقد، إذ أظهرت التحقيقات أن الشركات المتعاقدة غالبًا ما تكون غير مُصنّعة للمحروقات، مما يُعرض الاقتصاد الوطني لخسائر إضافية. هذه العقود، التي يفترض أن تلبي الاحتياجات العاجلة، تحولت إلى وسيلة لزيادة الفجوة بين كفاءة الإنفاق الحكومي وواقعه.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الطريق نحو إصلاح قطاع المحروقات في ليبيا يتطلب إجراءات جذرية، تبدأ من مراجعة العقود القائمة وصولاً إلى دعم جهود مكافحة تهريب الوقود. تحقيق الشفافية في آليات التعاقد، واعتماد نظام رقابي صارم، وإعادة النظر في سياسة المقايضة، كلها خطوات أساسية لضمان استدامة الاقتصاد الوطني.
يبقى التساؤل مطروحًا: هل ستنجح الجهات المعنية في الاستجابة لدعوات النائب العام؟ أم أن العوائق السياسية والاقتصادية ستبقى حجر عثرة أمام تحقيق هذا الطموح؟
تصريحات النائب العام ليست مجرد انتقاد، بل دعوة للإصلاح والتغيير في قطاع يعد شريان الحياة لليبيا. وبينما تواجه البلاد تحديات داخلية وخارجية، يبقى الأمل معقودًا على الإرادة السياسية والاقتصادية لوضع حد لتجاوزات الماضي وفتح صفحة جديدة من الشفافية والعدالة.