في خضم المشهد الاقتصادي المضطرب الذي تشهده ليبيا، يتصدر سوق الصرف الموازي واجهة المشكلات، ليصبح مرآة تعكس أزمة أعمق في النظام المالي والاقتصادي. الخبير الاقتصادي أبو بكر الطور دق ناقوس الخطر، مسلطاً الضوء على الأسباب الحقيقية وراء الارتفاع الجنوني في أسعار الدولار، ما بين سوق غير منظم وأزمات هيكلية تضرب عمق الاقتصاد الوطني.
يوضح الطور أن سوق الصرف الموازي، الذي يعمل بمعزل عن أي تنظيم رسمي، قد بات المؤثر الأول على أسعار العملات الأجنبية. في ظل غياب القوانين والضوابط، يتحرك الدولار في هذا السوق كما الريح، صعودًا وهبوطًا، معتمداً على العرض والطلب، دون أي التزام بالقيم المعلنة رسميًا. هذه الحالة الفوضوية تجعل المواطن في مواجهة مباشرة مع تقلبات لا يستطيع السيطرة عليها.
ورغم الإجراءات التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي لتوفير العملة الصعبة، إلا أن أزمة السيولة تبقى حجر العثرة الأكبر. الطور أشار إلى أن التوسع في عرض الدولار لم يؤتِ ثماره بعد، إذ إن التحديات الهيكلية تعيق تأثير هذه الجهود.
من جهة أخرى، يبدو الإنفاق الحكومي المفرط، سواء شرق البلاد أو غربها، عقبة لا تقل خطورة. الإيرادات النفطية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الليبي تجد نفسها عاجزة عن مواكبة هذا الإنفاق، ما يجعل العجز المالي أكبر وأعمق.
تطرق الطور أيضًا إلى معضلة الفساد، الذي بات كالشبح يحوم فوق الموارد العامة، مستنزفًا قدرتها على تلبية احتياجات الدولة. هذا الفساد لا يترك أثره فقط على الإنفاق، بل يظهر بوضوح في الأسعار الوهمية المعلنة للدولار، التي لا تعكس القيمة الحقيقية للعملة الوطنية.
“الأسعار التي تصل إلى 6800 دينار ليست سوى أرقام سطحية”، يقول الطور، موضحاً أن عمليات البيع بالدولار عبر الصكوك المصرفية هي المعيار الحقيقي لتحديد كلفة السلع. هذا التباين بين الأسعار المعلنة والقيم الواقعية يخلق فجوة تزيد من الضغوط على المواطن البسيط.
يبدو أن الأفق القريب يحمل معه المزيد من التحديات. مع استمرار السوق الموازي في التحكم بأسعار الصرف، وغياب السياسات الحكومية الواضحة لتنظيم هذا القطاع، يبقى الاقتصاد الليبي عالقاً في دوامة الأزمات.
الطور دعا إلى اتخاذ خطوات جذرية لإعادة تنظيم السوق النقدي، مؤكدًا أن الحلول المؤقتة لن تجدي نفعًا. بل يجب وضع استراتيجيات بعيدة المدى تتضمن مكافحة الفساد، ضبط الإنفاق الحكومي، وتعزيز الشفافية في تحديد الأسعار.
أبو بكر الطور، بخبرته الاقتصادية، يقدم تحذيرًا وتحليلاً في الوقت ذاته. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الاقتصاد الليبي مهدد بمزيد من التدهور، مما يضع البلاد أمام مسؤولية ثقيلة لا تقبل التسويف.