مع كل تغيير جديد في المشهد السياسي، تتوجه الأنظار إلى المبعوثين الأمميين الذين يتوالون على مهمة شاقة تستهدف انتشال ليبيا من دائرة الصراعات التي أرهقتها لسنوات. في هذا السياق، جاء البيان الرسمي للنائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، ليؤكد على رؤيته الطموحة، التي تحمل في طياتها خارطة طريق واضحة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لليبيا.
في بيان له تحصلت “أخبار ليبيا 24” على نسخة منه، رحّب النويري بالمبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا، متمنيًا لها النجاح في أداء مهامها، ولكن هذه التمنيات لم تأتِ بمعزل عن الدعوات لتغيير جذري في استراتيجية عمل البعثة. فوفقًا للنويري، المشكلة الليبية لا تكمن في الخلافات الداخلية وحدها، بل في التدخلات الخارجية التي أضحت عاملًا رئيسيًا في تعقيد المشهد السياسي والأمني.
“الشعب الليبي عانى طويلًا”، هكذا بدأ النويري توصيفه للوضع الراهن، مذكرًا الجميع بأن الشعب الليبي يمتلك من الحكمة والإرادة ما يؤهله لتجاوز أزماته الداخلية إذا ما تُرك له المجال بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
واحدة من أبرز النقاط التي تضمنها البيان هي المطالبة بتشكيل لجنة دولية برعاية الأمم المتحدة، تضم الدول المتداخلة في الشأن الليبي. يهدف هذا المقترح إلى وضع حد للتدخلات السلبية التي أصبحت تمثل عائقًا أمام استقرار البلاد. وأوضح النويري أن مثل هذه اللجنة يجب أن تعمل تحت مظلة أممية تضمن حيادية القرارات وتوازن المصالح الدولية.
وفي خطوة لافتة، دعا النويري إلى إعادة توجيه دور البعثة الأممية لتصبح معنية بمعالجة الخلافات بين الدول الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن الليبي، بدلًا من الانشغال بتفاصيل داخلية هي انعكاس لتلك التدخلات. واعتبر النويري أن استمرار البعثة في تجاهل هذه الأولويات سيدفع البلاد إلى دوامة الفشل ذاتها التي عاشتها خلال السنوات الماضية، حيث يتغير المبعوثون دون أن تتغير نتائج عملهم على أرض الواقع.
وشدد النويري على أن استقرار ليبيا لن يتحقق إلا من خلال توافق دولي واضح وشفاف يحترم إرادة الشعب الليبي وحقه في تقرير مصيره بعيدًا عن الضغوط والإملاءات الخارجية. وأضاف أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في إنهاء حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي التي تسببت في تأخير عجلة الاستقرار والتنمية.
وعلى صعيد آخر، ذكّر النويري الجميع بأن ليبيا دولة ذات سيادة، وأن تجاوز الأزمات الداخلية لن يكون مستحيلًا إذا ما توفرت الظروف المناسبة لذلك. وأشار إلى أن التدخلات الخارجية هي من تحول الخلافات الداخلية إلى أزمات متفاقمة تهدد استقرار البلاد وتعرقل التنمية.
في ختام بيانه، أطلق النويري نداءً للمجتمع الدولي للعمل بجدية لإنهاء حالة الاستقطاب، مؤكدًا أن الشعب الليبي يستحق أن ينعم بالاستقرار والتنمية كبقية شعوب العالم. واعتبر أن العالم مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ خطوات حاسمة لإعادة التوازن إلى ليبيا، بما يعكس احترامًا حقيقيًا لإرادة الشعب الليبي.
إن بيان النويري يحمل بين طياته رؤية شاملة لمستقبل ليبيا، ولكنه في الوقت ذاته يضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي والدول المتداخلة في الشأن الليبي. فما بين الدعوة إلى تشكيل لجنة دولية وإعادة توجيه البعثة الأممية، تتضح ملامح طريق طويل يحتاج إلى إرادة حقيقية من جميع الأطراف لتحقيقه.