ليبيا على مشارف التحوّل.. المصالحة الوطنية بوابة للاستقرار والتنمية
في مشهد سياسي متشابك ومعقد كالساحة الليبية، تبرز المصالحة الوطنية كشرطٍ لا غنى عنه لاستعادة الوحدة وإطلاق عجلة التنمية. هذا ما أكده وزير خارجية الكونغو برازافيل، جان كلود جاكوسو، الذي وصف ميثاق المصالحة الوطنية بأنه “لقاحٌ ضد تقسيم ليبيا”، في إشارة رمزية تُبرز أهميته كخطوة استباقية لمواجهة التحديات التي قد تعيد البلاد إلى دوامة الانقسام والصراع.
لفت جاكوسو في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” الأنظار إلى اجتماع 14 فبراير 2024، الذي لم يكن مجرد لقاء سياسي عابر، بل محطة تاريخية جمعت الليبيين من شتى المدن والمناطق؛ شرقًا وغربًا وجنوبًا. هذا التمثيل الشامل، كما وصفه الوزير، يعكس رغبةً حقيقية في تجاوز خلافات الماضي وإرساء قواعد متينة لبناء الدولة. وأضاف أن الشعب الليبي أدرك، بعد سنوات من الأزمات، أن السلم الداخلي هو القاعدة التي تنطلق منها كل تطلعات التنمية والنهضة.
الميثاق، كما أكده جاكوسو، ليس مجرد وثيقة تحمل وعودًا فضفاضة، بل هو التزام عملي ومحدد. وستُشكّل لجان مختصة لمتابعة تنفيذ توصيات المصالحة، مما يضمن أن تظل هذه الجهود قيد التفعيل، بدعم مباشر من الاتحاد الإفريقي، الذي يرى في استقرار ليبيا ضرورة إقليمية تتجاوز حدودها.
أبرز جاكوسو دور الاتحاد الإفريقي كداعم رئيسي لهذه المصالحة، مشيرًا إلى أن المنظمة لن تدّخر جهدًا في تقديم الدعم الفني والسياسي لإنجاح هذه المبادرة. هذا الالتزام يعكس رؤية أفريقية تسعى لتثبيت الأمن والسلم في القارة، حيث تُعد ليبيا حلقة وصل استراتيجية بين شمال إفريقيا ووسطها.
وأشاد جاكوسو بصبر الشعب الليبي وإصراره على تجاوز التحديات. هذا الشعب، الذي تحمل أعباء الانقسام والاضطرابات لسنوات، بات اليوم على مشارف مستقبل جديد يحمل معه آمالًا وطموحات كبيرة.
لم يغفل الوزير عن الإشارة إلى أهمية وجود سلطات تنفيذية موحدة كضمانة لاستدامة الاستقرار. فالانقسامات المؤسسية تظل عقبة كبرى أمام تحقيق الأهداف الوطنية، مما يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف.
يمكن القول إن المصالحة الوطنية، كما يراها جاكوسو، تمثل جسرًا يعبر به الليبيون من الماضي المضطرب إلى مستقبل واعد. فهذه المبادرة ليست فقط محاولة لإخماد حرائق الانقسامات، بل هي مشروع نهضوي يعيد إلى ليبيا مكانتها ودورها الإقليمي والدولي.
من الواضح أن ليبيا لا يمكن أن تنجح في مسارها دون معالجة جذرية لجذور الانقسام. الميثاق الوطني هو الخطوة الأولى، لكنه بحاجة إلى التزام داخلي وخارجي يضمن استمراريته. في هذا السياق، يلعب الاتحاد الإفريقي دورًا مزدوجًا: وسيط محايد وداعم للتنفيذ.
مع كل التحديات التي تواجه المصالحة الوطنية، يظل التفاؤل حاضرًا بفضل الجهود المبذولة من الشعب الليبي والمجتمع الدولي. الخطوة المقبلة تعتمد على الإرادة السياسية الجماعية لتجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة، حيث تكون المصالحة عنوانها الأبرز.