في خطوة تعكس اهتمام مصر العميق بالشأن الليبي وسعيها الدائم لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وجه رئيس مجلس النواب المصري، المستشار الدكتور حنفي جبالي، دعوة رسمية إلى رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح، وأعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لعقد اجتماع تشاوري في القاهرة خلال الفترة من 22 إلى 25 فبراير الجاري. تأتي هذه الدعوة في سياق العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، والتأكيد المصري المستمر على أن استقرار ليبيا هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
لم تكن هذه الدعوة مجرد لقاء بروتوكولي، بل تعكس رؤية أعمق لتعزيز الحوار الليبي – الليبي، وخلق بيئة مناسبة للوصول إلى تفاهمات جوهرية حول المرحلة المقبلة. فالقاهرة كانت ولا تزال أحد أبرز الفاعلين في الملف الليبي، ليس فقط لدورها السياسي، بل أيضًا لاعتبارها أحد الحاضنين الرئيسيين لأي توافق قد يفضي إلى إنهاء الانقسام السياسي الذي يعصف بليبيا منذ سنوات.
يأتي الاجتماع التشاوري في توقيت حساس، حيث تشهد الساحة الليبية تطورات متسارعة تتعلق بمساعي توحيد المؤسسات السياسية، ومعالجة الخلافات العالقة بين الأطراف المختلفة. فبينما تحاول بعض القوى الداخلية والإقليمية الدفع نحو مسارات جديدة لحل الأزمة، تبقى الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق توافق شامل.
الدعوة المصرية جاءت في لحظة تتطلب من جميع الأطراف الليبية إظهار قدر عالٍ من المسؤولية الوطنية، خاصة وأن استمرار الانقسام السياسي من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد. ولعل اختيار القاهرة كمقر لهذا الاجتماع يحمل رسالة واضحة مفادها أن مصر مستعدة لدعم أي مسار توافقي يحقق مصالح ليبيا وشعبها.
بحسب مصادر مقربة من البرلمانين المصري والليبي، فإن الاجتماع التشاوري سيركز على عدد من الملفات الحساسة، أبرزها:
رغم أهمية هذه الدعوة، فإن مواقف الأطراف الليبية تجاهها قد تتفاوت. فمن جهة، هناك ترحيب من بعض أعضاء مجلس النواب الذين يرون في الاجتماع فرصة حقيقية لرأب الصدع وإنهاء الجمود السياسي، في حين قد تبدي بعض الأطراف الأخرى تحفظًا، خاصة في ظل استمرار الخلافات حول بعض القضايا الجوهرية مثل آلية اختيار السلطة التنفيذية المقبلة.
على الجانب الآخر، فإن مشاركة المجلس الأعلى للدولة في هذا الاجتماع ستكون مؤشرًا على مدى جدية الطرفين في التوصل إلى حلول توافقية. فمن المعروف أن العلاقة بين المجلسين كانت دائمًا متأرجحة بين التقارب والتباعد، ما يجعل من هذا الاجتماع اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف الليبية على تجاوز خلافاتها.
لطالما لعبت مصر دورًا فاعلًا في الملف الليبي، مستندة إلى عدة عوامل، أبرزها:
القاهرة استضافت على مدار السنوات الماضية العديد من الاجتماعات التي جمعت الفرقاء الليبيين، وساهمت في تقريب وجهات النظر في العديد من القضايا، مثل إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والسياسية، وصياغة القوانين المنظمة للانتخابات.
من المبكر الجزم بما سيؤول إليه هذا الاجتماع، لكن يمكن توقع بعض السيناريوهات المحتملة:
تعد الدعوة المصرية لعقد اجتماع تشاوري بين الأطراف الليبية خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الاستقرار في ليبيا. ومع تزايد التحديات السياسية والأمنية، فإن مثل هذه المبادرات تمثل بارقة أمل لحل الأزمة الليبية المتفاقمة. ويبقى نجاح هذا الاجتماع مرهونًا بمدى استعداد الأطراف الليبية لتقديم تنازلات متبادلة، ووضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى.