وصل القائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير أركان حرب خليفة أبو القاسم حفتر، إلى العاصمة البيلاروسية مينسك في زيارة لم يُعلن عنها مسبقًا، مما أثار العديد من التكهنات حول طبيعة وأهداف هذه الزيارة، التي تأتي في سياق دولي يشهد تحولات متسارعة، وتغيرًا في موازين القوى الإقليمية.
ليست المرة الأولى التي يتحرك فيها المشير حفتر خارج الإطار الدبلوماسي التقليدي، ولكن اختيار بيلاروسيا كمحطة جديدة يعكس إدراك القيادة الليبية لحاجة الجيش الوطني إلى تنويع شراكاته، وتعزيز استقلالية قراره بعيدًا عن الضغوط الغربية التقليدية.
يؤكد المحلل السياسي حسام الدين العبدلي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن “زيارة المشير حفتر جاءت بعد ترتيبات مسبقة رغم غياب الإعلان الرسمي، وهو ما يشير إلى طبيعة الملفات المطروحة بين الطرفين”، مضيفًا أن “بيلاروسيا ليست مجرد دولة صناعية كبرى، بل تُعتبر لاعبًا أساسيًا في المعادلة الروسية الأوروبية، ما يجعل هذا التقارب محملًا بدلالات تتجاوز مجرد تعاون اقتصادي أو عسكري عابر”.
من المعروف أن بيلاروسيا تتمتع بخبرات واسعة في مجال التصنيع العسكري، وصيانة المعدات القتالية، ما يجعلها شريكًا محتملاً للجيش الليبي في ظل مساعيه المستمرة لتطوير قدراته الدفاعية.
ويرى العبدلي أن “الجيش الليبي يسعى إلى خيارات جديدة تضمن له استقلالية أكبر، وبيلاروسيا قد تفتح أبوابًا لشراكات أوسع تمتد إلى مجالات التسليح والتدريب العسكري”.
لم تكن هذه الزيارة مقتصرة على الجانب العسكري، بل حملت في طياتها أبعادًا اقتصادية بارزة، حيث تمت مناقشة تعزيز التعاون في مجالات الأمن الغذائي والصناعات الغذائية، وهي نقطة محورية بالنسبة لليبيا التي تسعى إلى تحقيق استقرار اقتصادي وسط تحديات داخلية كبرى.
يشير العبدلي إلى أن “بيلاروسيا تُعد واحدة من أبرز الدول المنتجة للقمح والمواد الغذائية، وهو ما قد يسهم في خلق شراكة اقتصادية طويلة الأمد بين البلدين”، مضيفًا أن “تعزيز الأمن الغذائي أصبح ضرورة استراتيجية لليبيا، لا مجرد خيار اقتصادي”.
قطاع الصحة كان حاضرًا أيضًا في هذه الزيارة، حيث تمت مناقشة إمكانية نقل التكنولوجيا الطبية البيلاروسية إلى ليبيا، وتدريب الكوادر الصحية الليبية في المؤسسات الطبية المتقدمة في مينسك.
وبحسب العبدلي، فإن “بيلاروسيا تمتلك نظامًا صحيًا متطورًا، وخبرات واسعة في مجال الطب العلاجي والتأهيل، وهو ما قد يمثل فرصة لليبيا للاستفادة من هذه القدرات في تحسين قطاعها الصحي”.
مع بدء استقرار الأوضاع في بعض المناطق الليبية، تتجه الأنظار نحو جهود إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهو ملف قد يكون ضمن الأولويات التي ناقشها المشير حفتر خلال زيارته إلى مينسك.
ويشير العبدلي إلى أن “بيلاروسيا لديها خبرة كبيرة في مشاريع البنية التحتية، ما يجعلها شريكًا محتملًا في إعادة إعمار المدن المتضررة، إلى جانب مساهمتها في قطاعات أخرى مثل الطاقة والنقل”.
زيارة المشير حفتر إلى بيلاروسيا لم تكن مجرد زيارة عابرة، بل تعكس توجهًا استراتيجيًا جديدًا يسعى إلى تنويع خيارات التعاون الدولي، وتعزيز استقلالية القرار الليبي في مجالات الدفاع والاقتصاد والتنمية.
وفي ظل عدم الكشف عن تفاصيل محددة حول ما تم الاتفاق عليه، فإن ما هو واضح أن الجيش الليبي يواصل البحث عن شراكات تُعزز موقعه الإقليمي، وترسم مستقبلًا جديدًا لعلاقاته الدولية بعيدًا عن الأطر التقليدية.