ليبيا الان

صدام الهويات في ليبيا يهدد السلم الاجتماعي الوطني

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

صدام الهويات في ليبيا.. بين رمزية العلم الأمازيغي وصمت الحكومة

في قلب ليبيا المتأرجحة بين فصول صراع سياسي طويل الأمد وتنوع ثقافي غني، انفجر مؤخرًا جدل واسع إثر حادثة أثارت غضب الأمازيغ وأشعلت موجات من الاستياء الشعبي. دهس علم الأمازيغ في العاصمة طرابلس لم يكن مجرد فعل فردي، بل صدى قوي لاحتقان متصاعد بين مكونات المجتمع الليبي. ما بدا وكأنه حادثة معزولة، تحوّل إلى شرارة كادت أن تشعل نيران فتنة ثقافية تهدد استقرار بلد لا يزال يبحث عن هويته الوطنية بعد سنوات من الانقسامات.

البداية: حادثة دهس العلم الأمازيغي
في مشهد استفزازي التُقطت له صور ومقاطع مصورة، تعرّض العلم الأمازيغي لدهس متعمد وسط العاصمة طرابلس. لم يكن المشهد مجرد إساءة لرمز ثقافي، بل تعدى ذلك إلى كونه استفزازًا مباشرًا لهوية كاملة تعتز بإرثها وتاريخها. سرعان ما انتشرت الصور كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، لتثير موجة غضب عارمة بين أبناء الأمازيغ والمجتمع الليبي عمومًا.

ردود الفعل: استنكار واسع ومطالب بالمحاسبة
لم تتأخر ردود الفعل الرسمية والشعبية. رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، الهادي بالرقيق، خرج في بيان قوي اللهجة، يُخلي فيه مسؤوليته من أي تصرفات تصعيدية قد تلي الحادثة إذا استمرت الحكومة في تجاهل المطالبات باتخاذ إجراءات عملية. بالرقيق لم يُخفِ قلقه من حالة الاحتقان، محذرًا من أن الصمت الحكومي قد يُشعل فتيل أزمة أكبر قد يصعب احتواؤها لاحقًا.

غالي الطويني، رئيس مجلس حكماء وأعيان زوارة، وصف الحادثة بـ”الجبانة”، معتبرًا أن هذا الفعل يمس بالأمن القومي الليبي، ويهدد التعايش السلمي بين مكونات المجتمع. الطويني أشار بوضوح إلى أن الاعتداء لم يكن فقط على علم، بل كان استهدافًا للثقافة الأمازيغية بكاملها.

دعوات للمساءلة: مطالب بتحقيق عاجل
كتلة التوافق الوطني في مجلس الدولة الاستشاري انضمت إلى جوقة الغاضبين، وأدانت في بيان لها الحادثة معتبرةً إياها “جريمة ضد الشعب الليبي بأكمله”، ودعت الجهات الضبطية والقضائية إلى فتح تحقيق فوري ومحاسبة المتورطين. البيان أكد أن استهداف الرموز الثقافية والتاريخية ليس مجرد اعتداء على فئة بعينها، بل تهديد مباشر لوحدة ليبيا.

عمداء بلديات الأمازيغ – من جادو، زوارة، كاباو، نالوت، القلعة، يفرن ووازن – أصدروا بيانًا مشتركًا أدانوا فيه الحادثة بأشد العبارات، معتبرين أنها محاولة خبيثة لضرب الوحدة الوطنية. وطالبوا حكومة الدبيبة باتخاذ إجراءات عاجلة، مؤكدين أن أي تهاون سيُفسر كنوع من الرضا الضمني عن مثل هذه الأفعال.

خلفيات وتوترات كامنة: صراع الهويات
لطالما كان التنوع الثقافي في ليبيا مصدر غنى وتعدد، لكنه أيضًا كان سببًا في بعض التوترات المتكررة. الأمازيغ، الذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الليبي، لطالما طالبوا بالاعتراف الكامل بحقوقهم الثقافية واللغوية. حادثة دهس العلم فتحت جراحًا قديمة وأعادت إلى الواجهة مطالب الأمازيغ بضرورة إصدار تشريعات تحمي الرموز الثقافية وتجّرم الأفعال العنصرية.

أزمة الحكم وضعف الاستجابة الحكومية
الموقف الحكومي بدا مرتبكًا، فبينما صدر بيان خجول يدين الحادثة، إلا أن غياب الإجراءات العملية زاد من حدة الاحتقان. الهادي بالرقيق لوّح صراحة بأن الأمازيغ لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا استمر هذا الصمت، مشيرًا إلى أن الحراك الشعبي في المناطق الأمازيغية قد يتجه نحو التصعيد. حالة التراخي الحكومي أعادت التساؤلات حول قدرة حكومة الدبيبة على احتواء الأزمات المتكررة، خصوصًا في ظل التحضيرات الجارية في القاهرة لتشكيل حكومة موحدة جديدة.

الطريق إلى الحل: بين العدالة والحوار
في خضم هذا الغضب الشعبي، برزت دعوات للتهدئة وفتح باب الحوار. كتلة التوافق الوطني شددت على ضرورة تغليب لغة العقل وعدم الانجرار خلف محاولات التفريق، بينما دعت بلديات الأمازيغ إلى الوحدة والتكاتف للحفاظ على سلم ليبيا الاجتماعي.

لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات عملية تتجاوز البيانات، بدءًا من فتح تحقيق شفاف ومعاقبة المتورطين، وصولاً إلى سنّ قوانين تحمي حقوق جميع مكونات الشعب الليبي. لا يمكن بناء وطن قوي ومتحد دون احترام كافة مكوناته الثقافية والعرقية.

على مفترق طرق
ليبيا اليوم على مفترق طرق، بين خيار تغليب لغة الحوار والعدالة أو السماح للفتن بالتغلغل أكثر في النسيج الاجتماعي. حادثة دهس العلم الأمازيغي ليست مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار لحكومة تبدو مشغولة بخلافاتها الداخلية أكثر من حماية وحدة وطنها.

فهل ستلتقط الحكومة هذه الفرصة لرأب الصدع؟ أم أنها ستُضاف إلى قائمة طويلة من الأزمات التي تُركت دون حل، حتى انفجرت لاحقًا في وجه الجميع؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24