في مشهد ليبي يتسم بالتعقيد والتشابك، خرج رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، ليخاطب الليبيين عبر قناة “القاهرة الإخبارية”، كاشفًا عن معالم خارطة طريق جديدة تهدف إلى إنهاء الأزمة التي عصفت بالبلاد لسنوات. وسط انسدادات سياسية وخلافات متجذرة بين الأطراف، بدا صالح وكأنه يلوّح بشعاع أمل طال انتظاره.
منذ 211، تاهت ليبيا في متاهات من الانقسامات والاقتتال، ومع كل محاولة للملمة الجراح، كانت الخلافات تعيد تشكيل نفسها في صور جديدة. لكن حديث عقيلة صالح هذه المرة حمل نبرة مختلفة، نبرة رجل يدرك أن بلاده وصلت إلى مفترق طرق لا يحتمل المزيد من التشتت.
أكد صالح أن الحل الحقيقي للأزمة الليبية يكمن في تشكيل حكومة جديدة تتولى مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة. هذا الطرح يعكس إدراكًا عميقًا بأن استمرار الحكومات المؤقتة والتوافقات الهشة لن يقود إلا إلى مزيد من التعقيد.
“ليبيا بحاجة إلى سلطة جديدة قادرة على توحيد مؤسسات الدولة وتهيئة المناخ السياسي والأمني لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”، بهذه الكلمات شدد صالح على أهمية المضي قدمًا نحو بناء شرعية جديدة تنبع من إرادة الشعب.
لعل أبرز ما جاء في تصريحات صالح هو تأكيده على وجود توافق كبير بين مجلسي النواب والدولة حول آليات حل الأزمة. بعد سنوات من الخلافات والانقسامات، يبدو أن الطرفين باتا يدركان أن استمرار الجمود السياسي لن يخدم سوى مصالح القوى الخارجية التي لا تتمنى استقرار ليبيا.
شهد العام الجاري سلسلة من اللقاءات والمشاورات بين المجلسين، نتج عنها تفاهمات مهمة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. “هناك انسجام غير مسبوق بيننا وبين مجلس الدولة، والأيام القادمة قد تحمل مفاجآت إيجابية بشأن الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة”، قال صالح.
في خطاب مشحون بالعاطفة، وجه عقيلة صالح رسالة حازمة لكل من يحاول المتاجرة بالقضية الليبية: “ليبيا غير قابلة للمساومة أو البيع والشراء”. هذه العبارة لم تكن مجرد شعار، بل جاءت كموقف صريح يرفض كافة أشكال التدخلات الخارجية التي غذّت الانقسامات وأطالت عمر الأزمة.
وأضاف: “الاتفاق الداخلي بين الليبيين ضروري، ويجب عدم السماح لأي أطراف خارجية بفرض حلول أو تأجيج الخلافات”. هذه الكلمات تعكس رغبة في استعادة القرار الوطني بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية.
أكد صالح أن القوات المسلحة العربية الليبية لن تسمح بعودة الاقتتال الداخلي مرة أخرى. بعد سنوات من الصراعات الدامية، بات واضحًا أن أي انزلاق نحو العنف سيعيد البلاد إلى نقطة الصفر. “الجيش هو صمام الأمان لوحدة ليبيا، ولن نسمح بتكرار سيناريو الفوضى والاقتتال”، شدد صالح.
لم يفوت صالح الفرصة ليعبر عن امتنانه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشيدًا بالدور الكبير الذي لعبته مصر في دعم جهود حل الأزمة الليبية. “أتقدم بالشكر للرئيس السيسي على جهوده الحثيثة وموقفه الثابت تجاه ليبيا”، قال صالح.
منذ بداية الأزمة، لم تدخر القاهرة جهدًا في محاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، إيمانًا منها بأن استقرار ليبيا يمثل جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي.
بحسب تصريحات عقيلة صالح، فإن الأيام المقبلة قد تشهد اتفاقًا على الأسماء المطروحة لتولي الحكومة الجديدة. هذه الخطوة، إن تمت، قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي وتضع حدًا لسنوات من الفوضى.
ومع ذلك، تبقى التحديات جسيمة. فالتوصل إلى اتفاق لا يعني بالضرورة نهاية الخلافات، بل ربما يكون بداية لمسار طويل يتطلب نضجًا سياسيًا وتعاونًا حقيقيًا بين كافة الأطراف.
رغم التفاؤل الذي حمله خطاب عقيلة صالح، إلا أن الشارع الليبي لا يزال منقسمًا بين الأمل والشكوك. فبعد سنوات من الوعود غير المنجزة والاتفاقات الهشة، بات الليبيون يتطلعون إلى أفعال ملموسة لا مجرد تصريحات إعلامية.
لكن، إن صدقت النوايا وتحقق التوافق الحقيقي بين مجلسي النواب والدولة، فقد تكون ليبيا أمام فرصة نادرة للعبور إلى بر الأمان.
حديث عقيلة صالح يعكس مرحلة جديدة في المسار الليبي، مرحلة قد تكون محكومة بالأمل والتحديات معًا. فبين تعقيدات الداخل وضغوط الخارج، يبقى الرهان الأكبر على إرادة الليبيين أنفسهم لرسم مستقبل بلادهم بأيديهم.