في قلب الجبل الغربي، حيث الطبيعة تبدو هادئة، شهدت مدينة الرحيبات زلزالًا لم يكن مجرد اهتزاز عابر، بل كان بوابةً لكشف ظاهرة غامضة تحمل في طياتها ألغازًا علمية وأحداثًا مثيرة للجدل. قوة الزلزال لم تتجاوز 3.5 على مقياس ريختر، وعمقه لم يتعدَّ الخمسة كيلومترات، لكنه أطلق ما هو أخطر من مجرد اهتزازات أرضية: شقوقٌ عميقة تتنفس غازات مجهولة، تقودنا إلى فصل جديد من تساؤلات لا تنتهي.
على مدار الأيام الماضية، تتابعت التقارير حول الهزة الأرضية التي ضربت الرحيبات، تلك البلدة الهادئة الواقعة في أحضان الجبل الغربي. الزلزال لم يكن بالقوة التي تدفع المباني إلى الانهيار، لكنه كان كافيًا لفتح صدوعٍ في الأرض، صدوعٌ لم تظل صامتة، بل بدأت تبث غازاتٍ نحو السطح، في مشهد يعيد إلى الأذهان أحداثًا جيولوجية مقلقة في مناطق مختلفة من العالم.
وزير التعليم العالي، عمران القيب، كان أول من دق ناقوس الخطر، مشيرًا إلى أن الفرق العلمية التابعة لوزارته رصدت انتشارًا لغازات غير مألوفة تتسرب من هذه الشقوق. أحد أبرز هذه الغازات كان الميثان، الغاز عديم اللون والرائحة، والذي يُعرف بخطورته العالية عند التفاعل مع الهواء. الميثان ليس مجرد مركب كيميائي في الهواء، بل هو شرارةٌ كامنة قد تتحول في لحظة إلى انفجار مدمّر.
لم يتوقف الأمر عند حدود الرحيبات، بل امتدّ الغموض إلى مدينة الأصابعة المجاورة، حيث تم رصد مستويات مرتفعة من غاز الميثان. الأمر الذي أثار المزيد من القلق هو أن هذا الغاز لم يكن مجرد تسرّب طبيعي، بل بدا وكأنه يُشكل تهديدًا فعليًا بعد اندلاع حرائق مفاجئة في عدة منازل داخل المدينة، دون سبب واضح.
الفرق العلمية التي وصلت إلى موقع الحدث لم تجد أي أثر للغاز في البيوت التي التهمتها النيران، وكأن الميثان اختفى في الهواء بمجرد اشتعاله، تاركًا وراءه لغزًا علميًا معقدًا. الوزير القيب أوضح أن فرق البحث تعمل حاليًا على دراسة التربة بحثًا عن آثار الغاز، في محاولة لفهم آلية انتشاره واختفائه السريع بعد الاشتعال.
الميثان، بطبيعته، يتسرب عادة من باطن الأرض نتيجة لتحلل المواد العضوية تحت ضغط عالٍ. في بعض المناطق حول العالم، مثل سيبيريا، تم تسجيل انفجارات أرضية ضخمة بسبب انبعاثات هذا الغاز بشكل مفاجئ. فهل تشهد ليبيا ظاهرة مشابهة؟
الباحثون يؤكدون أن الارتباط بين الزلازل وانبعاث الغازات القابلة للاشتعال ليس بالأمر الجديد، لكنه يبقى ظاهرة نادرة الحدوث. إذ يمكن للهزات الأرضية أن تفتح شقوقًا في الطبقات الجيولوجية، مما يسمح بخروج الغازات التي كانت محاصرة لآلاف السنين. وإذا ما اختلطت هذه الغازات بالأكسجين، فإن مجرد شرارة صغيرة يمكن أن تُحدث انفجارًا مهولًا.
السلطات المحلية، بالتعاون مع الفرق العلمية، تسابق الزمن لفهم هذه الظاهرة قبل أن تتكرر بشكل أكثر خطورة. فغياب رائحة الميثان وصعوبة اكتشافه بالوسائل التقليدية يجعل منه خطرًا صامتًا، وقد يكون الانتشار الحالي مقدمةً لحدث أكبر إذا لم يُتعامل معه بحذر.
يؤكد الوزير القيب أن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولى، وأن الفرق المختصة تعمل على دراسة العينات المأخوذة من التربة لمعرفة إن كانت هناك مصادر أخرى لانبعاث هذا الغاز. كما يجري العمل على تقييم إمكانية وجود مخزون غازي تحت المنطقة، قد يكون السبب وراء هذه الانبعاثات غير المعتادة.
ما حدث في الأصابعة والرحيبات قد يكون مجرد مقدمة لما هو أعظم. هل نحن أمام بداية نشاط زلزالي قد يُغير جيولوجية الجبل الغربي؟ أم أن ما جرى مجرد حادثة عرضية لا تستدعي القلق؟
الأسابيع القادمة قد تحمل المزيد من الإجابات، لكنها حتمًا تحمل أيضًا الكثير من التساؤلات التي لم نجد لها ردًا حتى الآن. وبينما يستمر البحث، يبقى سكان المناطق المتأثرة في حالة من الترقب والحذر، في انتظار ما ستكشفه التحقيقات العلمية عن هذا اللغز الغامض.