في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بليبيا، وفي لحظة حساسة تتقاذف فيها البلاد بين الوحدة والتشرذم، انفجرت قنبلة سياسية من العيار الثقيل. تصريحات نائب المجلس الرئاسي موسى الكوني لم تمر مرور الكرام، بل أشعلت موجة غضب غير مسبوقة، وسط اتهامات بالخيانة العظمى، ودعوات للمحاسبة القانونية.
فما الذي قاله الكوني ليُتهم بهذه الخطورة؟ وما دلالات هذا الجدل الذي يعكس هشاشة المشهد السياسي الليبي؟
في سياق لقاء جمعه بسفير المملكة المتحدة لدى ليبيا، طرح موسى الكوني فكرة الأقاليم الثلاثة، معتبرًا أن هذا النموذج قد يكون حلاً لضمان الاستقرار وتوزيع الموارد بعدالة. غير أن هذا الطرح لم يُنظر إليه باعتباره مقترحًا إداريًا، بل اعتُبر محاولة واضحة لتمهيد الطريق نحو تفكيك الدولة الليبية إلى كيانات منفصلة.
سرعان ما أثارت هذه التصريحات غضبًا واسعًا، خصوصًا من داخل مجلس النواب، حيث اعتبر النائب محمد عامر العباني أن الكوني تجاوز حدوده، وخان القسم الذي أداه عند توليه منصبه.
لم يتوقف الأمر عند الاستنكار السياسي، بل طالب العباني باتخاذ إجراءات قانونية عاجلة ضد الكوني، مؤكدًا أن تصريحاته تُعد “حنثًا باليمين”، حيث أقسم على الحفاظ على وحدة ليبيا واستقلالها.
“هذه التصريحات ليست مجرد رأي سياسي، بل هي خيانة لليمين الذي أداه الكوني أمام الشعب الليبي. نحن أمام جريمة مكتملة الأركان تستوجب محاسبته فورًا”، هكذا صرّح العباني، داعيًا إلى وقف الكوني عن العمل وتحريك دعوى قضائية ضده بتهمة الخيانة العظمى.
على السطح، يبدو أن فكرة الأقاليم تستند إلى مبررات إدارية تهدف إلى تحقيق اللامركزية، لكن في عمق المشهد الليبي، تحمل هذه الفكرة أبعادًا أخطر بكثير. فقد عانت ليبيا طويلاً من التدخلات الخارجية التي سعت إلى تفتيتها، واستخدمت دعوات الفيدرالية كمدخل لتمزيق نسيجها الوطني.
يرى كثيرون أن توقيت تصريحات الكوني، وفي ظل تدخلات دولية مكثفة في الملف الليبي، ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من تحركات تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية للبلاد.
لا يخفى على أحد أن المجلس الرئاسي الحالي هو كيان مؤقت، مهمته الوحيدة هي تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة، وليس اتخاذ قرارات مصيرية حول مستقبل نظام الحكم.
وبالتالي، فإن ما صرّح به الكوني يتجاوز صلاحياته، ويُنظر إليه على أنه محاولة لفرض أجندة معينة خارج إطار الإرادة الشعبية.
في ظل هذا الجدل المحتدم، يظل الموقف الشعبي واضحًا: ليبيا واحدة لا تقبل القسمة، وأي محاولة للتلاعب بوحدتها لن تمر مرور الكرام.
فالليبيون دفعوا ثمنًا باهظًا للحفاظ على وحدة وطنهم، ولن يسمحوا بتمرير مخططات تستهدف تقسيم بلادهم تحت أي مسمى، سواء كان ذلك عبر الفيدرالية، أو عبر إعادة إحياء مشروع الأقاليم الثلاثة.
مع تصاعد الدعوات لمحاسبة الكوني، تبدو ليبيا على أعتاب مواجهة سياسية جديدة، قد تضع المجلس الرئاسي أمام اختبار صعب.
وسط كل هذه التطورات، يبقى الثابت الوحيد أن الشعب الليبي وحده هو من يقرر مستقبله، وليس أي جسم سياسي مؤقت، أو أي تدخل خارجي يسعى إلى فرض أجنداته.
ليبقى السؤال: كيف ستنتهي هذه العاصفة السياسية؟ وهل تتحول المطالب القانونية إلى إجراءات فعلية، أم أن الأمر سينتهي كسابقاته في دائرة الجدل دون حسم؟
الوقت وحده سيكشف الحقيقة.