في خطوة قضائية فارقة، أسدلت المحكمة العليا الستار على جدل قانوني امتد لأكثر من نصف قرن، بإصدار حكم نهائي بعدم دستورية القانون رقم 44 لسنة 1970، الذي فرض ما يُعرف بـ”ضريبة الجهاد”. بهذا الحكم، يتوقف استقطاع 3% من رواتب الموظفين الليبيين، وهو الإجراء الذي كان مفروضًا بموجب هذا التشريع لصالح صندوق جهاد الليبيين، الذي أعيد تنظيمه لاحقًا بالقانون رقم 59 لسنة 1972.
حين صدر قانون ضريبة الجهاد في سبعينيات القرن الماضي، كان الهدف المعلن هو دعم “جهاد العالم الإسلامي ضد القوى الاستعمارية”، عبر تمويل صندوق جهاد الليبيين. لكن مع مرور الزمن، تحوّل القانون إلى عبء مالي يثقل كاهل الموظفين الليبيين، وأصبح موضع تشكيك قانوني مستمر حول مدى توافقه مع الدستور الليبي.
قرار المحكمة العليا بعدم دستورية القانون لم يكن مفاجئًا لكثير من القانونيين، إذ إن استقطاع جزء من الرواتب بشكل إجباري دون مقابل مباشر لطالما أثار علامات استفهام قانونية. ومع هذا الحكم، لم يعد للحكومة الليبية أي أساس قانوني لمواصلة استقطاع الضريبة، مما يعني انتهاء رحلة هذا التشريع المثير للجدل.
مع وقف استقطاع الضريبة، تبرز تساؤلات محورية حول مصير الأموال التي تم تحصيلها طيلة العقود الماضية. هل سيتم إعادتها للموظفين؟ هل سيتم تحويلها لصناديق تنموية أخرى؟ أم أنها دخلت في ميزانيات سابقة وأصبح استرجاعها أمرًا مستحيلاً؟
الحكم قد يكون له تداعيات سياسية واقتصادية، إذ سيؤثر على مصادر تمويل الدولة غير التقليدية، وربما يفتح الباب لمراجعة قوانين أخرى تفرض استقطاعات مالية مشابهة. كما أنه قد يشكل سابقة قانونية لمزيد من الطعون في تشريعات تعود إلى حقب سياسية سابقة.
بإبطال قانون ضريبة الجهاد، تُطوى صفحة أخرى من القوانين التي وُلدت في سياقات تاريخية مختلفة، ولم تصمد أمام اختبار الزمن والعدالة الدستورية. ويبقى السؤال الأكبر: هل ستكون هذه مجرد بداية لإعادة النظر في منظومة التشريعات المالية الليبية بأكملها؟