في الأروقة المزدحمة بالمفاوضات السياسية، وبين جدرانٍ رسمت معالم التاريخ الليبي بحبر الرجال، تقف المرأة الليبية أمام واقع شديد التعقيد، واقع يحرمها من مقعدها الطبيعي في مراكز صنع القرار، وكأنها زائرة في مشهد سياسي خُطَّت معالمه مسبقًا دون أن يؤخذ رأيها في الحسبان.
رغم المحاولات الحثيثة لرفع صوت المرأة في المشهد السياسي، إلا أن الصدى غالبًا ما يضيع في متاهات التقاليد والمصالح الضيقة، حيث تُقصى النساء من المناصب السيادية بحججٍ تتراوح بين الأعراف والتفسيرات الدينية المغلوطة. فهل المشكلة في عدم كفاءة النساء؟ أم أن الطريق أمامهن مفخخٌ بعوامل لا علاقة لها بقدراتهن؟
لم تكن المرأة الليبية يومًا غريبة عن ساحات النضال، فمنذ عقود وهي تسعى إلى انتزاع مكانها في المشهد العام، لكن الواقع السياسي المليء بالعراقيل جعل الطريق أكثر وعورة. التقاليد الاجتماعية لا تزال تمارس سطوتها، مكرسةً صورة نمطية تربط بين القيادة والرجولة، وبين المرأة والأدوار المساندة، وكأن المشاركة السياسية حكرٌ على طرف دون آخر.
أضف إلى ذلك تأويلات دينية مُجتزأة، تُستخدم لتبرير إقصاء النساء تحت ذريعة أن “مكان المرأة ليس في السياسة”، متجاهلين حقيقة أن التاريخ الإسلامي نفسه حافل بأسماء نساء قُدن المجتمعات وشكّلن ملامح دولٍ بأكملها.
لا يمكن إنكار أن ليبيا تمتلك ترسانة من القوانين التي تدعم تمكين المرأة، لكن العبرة ليست في النصوص، بل في التنفيذ. ومع غياب آليات واضحة لمحاسبة من يعرقل مشاركة النساء في المناصب العليا، تظل هذه القوانين مجرد شعارات تُرفع في المؤتمرات والندوات دون أن تتحول إلى واقع ملموس.
الكوتا، التي تُطرح دائمًا كحلٍّ لتعزيز مشاركة النساء، تظل في ليبيا فكرةً أكثر منها سياسة مُطبقة. فبدون رقابة حقيقية وإرادة سياسية صادقة، ستظل هذه الأداة مجرد حبرٍ على ورق، تُستغل أحيانًا كذريعة لإسكات الأصوات المطالبة بالمساواة دون أن تحقق نتائج فعلية.
تحديات المرأة الليبية لا تقتصر على القوانين أو البيئة السياسية، بل تمتد إلى عوامل ذاتية ونفسية، حيث تعاني الكثير من النساء من غياب الثقة بالنفس بسبب بيئة اجتماعية لم تمنحهن الفرصة لإثبات قدراتهن. ومع تصاعد خطاب الكراهية، يجد العديد من النساء أنفسهن عالقات بين طموحهن الشخصي وخوفهن من التعرض للتهديد أو العنف اللفظي والجسدي.
الأمر لا يقتصر على السياسيات فقط، بل يمتد إلى النساء في سوق العمل، حيث تُفرض عليهن قيودٌ غير مكتوبة تمنعهن من الوصول إلى المناصب العليا، وكأن سقف الطموح قد رُسم لهن سلفًا.
إذا كان التغيير الحقيقي هو الهدف، فإن الحل لا يقتصر على المطالبة بحقوق المرأة فحسب، بل يتطلب خطوات عملية وحاسمة، منها:
إن الحديث عن الديمقراطية والمساواة يظل ناقصًا إن لم تكن المرأة شريكًا فعليًا في صنع القرار. غيابها عن المناصب السيادية لا يعكس فقط تحديات سياسية، بل يكشف خللًا أعمق في بنية المجتمع الليبي، حيث لا تزال النساء يُنظر إليهن كطرف أقل قدرة على القيادة، رغم أن الواقع والتجارب أثبتت العكس.
إن بناء مجتمع عادل ومتوازن لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة حقيقية للنساء، لا على سبيل المجاملة، بل لأنهن قادرات على أن يكنَّ جزءًا من الحل، وليس مجرد ضحايا لواقع يحتاج إلى تغيير جذري. فمتى يصبح تمكين المرأة الليبية حقيقة لا مجرد شعار؟