مع اقتراب الليالي القمرية من ساحل ليبيا، تبدأ ملحمة الحياة والموت، حيث تتسلل السلاحف البحرية تحت جنح الظلام، تحفر أعشاشها في الرمال الناعمة، وتودع فيها جواهرها الثمينة: البيوض التي تحمل مستقبل هذا النوع المهدد بالانقراض. لكن هذه المعجزة الطبيعية تواجه تهديدات متزايدة، دفعت مجموعة من المهتمين إلى خوض سباق محموم لإنقاذ البيوض من الهلاك المحتم.
على مدار أربعة أشهر، تمتد من مايو إلى أغسطس، تتحول الشواطئ الليبية إلى ساحة معركة بين الطبيعة والتحديات التي يفرضها الإنسان. هنا، تعمل منظمة “إدامة” لصون الطبيعة على قدم وساق، حيث تجوب فرقها المدربة الشواطئ بحثًا عن أعشاش السلاحف، بهدف إنقاذ البيوض من الأخطار المحدقة بها.
أبو بكر المنصوري، الشريك المؤسس للمنظمة، يقول: “السلاحف البحرية مخلوقات ضعيفة، ومع كل موسم تعشيش، تزداد المخاطر التي تواجهها. التلوث، النفايات البلاستيكية، التغيرات المناخية، والصيد الجائر، كلها عوامل تضع هذه الكائنات على حافة الهاوية.”
بعد العثور على البيوض، يجري استخراجها بحذر شديد لتجنب أي ضرر، ثم تُنقل إلى جزيرة “فروة”، التي تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن مدينة زوارة. هذه الجزيرة، التي لا يسكنها البشر، توفر بيئة آمنة وخالية من التدخلات التي قد تهدد سلامة البيوض.
يضيف المنصوري: “نقل البيوض إلى جزيرة فروة كان قرارًا استراتيجيًا. الجزيرة تتميز بتنوع بيولوجي فريد، وعدم وجود سكان، مما يجعلها المكان الأمثل لحماية البيوض حتى تفقس.”
في كل موسم، تضع السلحفاة البحرية ما بين 70 إلى 130 بيضة، لكن القليل منها يصل إلى مرحلة البلوغ. فإلى جانب التهديدات الطبيعية، مثل السرطانات والطيور والأسماك، فإن الأنشطة البشرية تشكل خطرًا مضاعفًا. الشواطئ المزدحمة بالمصطافين، وحركة المركبات التي تعبر الشواطئ دون حسيب أو رقيب، تؤدي إلى تدمير الأعشاش قبل أن تبدأ الحياة بداخلها.
يقول المنصوري بأسف: “الكارثة الحقيقية هي أن بعض الناس ما زالوا يصطادون السلاحف بشكل جائر، إما لأكل لحومها أو لأغراض أخرى، وهو ما يفاقم الأزمة.”
بعد 55 يومًا من الدفن في الرمال، تفقس البيوض وتخرج صغار السلاحف إلى النور، مدفوعة بغريزتها نحو البحر. ولكن رحلتها محفوفة بالمخاطر، حيث لا تصل إلا قلة قليلة منها إلى مرحلة النضج، لتعيد الكرة مرة أخرى بعد عقود.
بفضل جهود منظمة “إدامة” والمتطوعين، ارتفعت نسبة النجاة بين السلاحف الصغيرة، مما يعزز فرص الحفاظ على هذا النوع الحيوي للنظام البيئي البحري. ورغم كل التحديات، لا يزال الأمل قائمًا بأن تستمر هذه الكائنات في رحلتها عبر الأزمنة، متحدية كل الصعاب، من أجل البقاء.